حديث الضحضاح
فمن أحاديثه الموضوعة والمكذوبة: حديثه في أنّ أباطالب في ضحضاح من النار، قال: «حدّثنا عبيد الله بن عمر القواريري ومحمّد بن أبي بكر المقدمي ومحمّد بن عبد الملك الأموي قالوا: حدّثنا أبو عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن العبّاس بن عبد المطّلب أنّه قال: يا رسول الله، هل نفعت أبا طالب بشيء، فانّه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: نعم، هو في ضحضاح من نار، ولو لا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار»(1).
وهذه الأحاديث التي أخرجها البخاري ومسلم كلّها موضوعة مفتراة، قد وضعت للطعن في أميرالمؤمنين عليه السّلام والتنقيص في شأنه، ولأجل رفع شأن أبي بكر بن أبي قحافة…
انّه ليكفي لتكذيب ما رووه في موت سيّدنا أبي طالب على الكفر: ما رواه ابن سعد في الطبقات قال: «حدّثني الواقدي قال: قال علي: لمّا توفّي أبو طالب أخبرت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فبكى بكاءً شديداً، ثمّ قال:
«اذهب فاغسله وكفّنه وواره، غفر الله له ورحمه.
فقال له العبّاس: يا رسول الله، انّك ترجو له؟
فقال: اي والله انّي لأرجوله.
وجعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يستغفر له أيّاماً لا يخرج من بيته.
وقال الواقدي: قال ابن عبّاس: عارض رسول الله جنازة عمّه أبي طالب وقال:
وصلتك رحم وجزاك الله خيراً»(2).
هذا، وقد أجمع أهل البيت عليهم السلام على ايمان سيّدنا أبي طالب، واجماعهم حجّة قطعيّة كما تقرّر في محلّه، وقد ذكر علماء السنّة اجماعهم على ذلك، ففي (روضة الأحباب) عن ابن الأثير في (جامع الاُصول) قوله: «زعم أهل البيت أنّ أبا طالب مات مسلماً، والله أعلم بصحّته».
على أنّ أهل السنة يدّعون المتابعة لأهل البيت والانقياد لهم، كما جاء في كتبهم، بشرح «حديث الثقلين» وبذيل حديث «مثل أهل بيتي كسفينة نوح»، فان كانوا صادقين في دعواهم تلك، فلا محالة لا يخالفون أهل البيت في اجماعهم على ايمان أبي طالب عليه السّلام.
على أنّ أحاديث مسلم في هذا الباب متناقضة متهافتة، اذ الحديث المذكور يدلّ على أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قد شفع له قبل القيامة وأخرجه بالفعل من غمرات العذاب الى ضحضاح من نار، وحديث أبي سعيد صريحٌ في عدم وقوع الشفاعة في حقّه وأنّ عذابه لم يخفّف، بل انّ النبي يرجو أن تناله شفاعته في يوم القيامة وتنفعه في خروجه من الدركات السافلة الى الضحضاح… فكان بعض تلك الأحاديث صريحاً في وقوع تخفيف العذاب عن أبي طالب بالفعل وبعض صريحاً في عدم حصول التخفيف، فتهافتا وتناقضا بكلّ وضوح.
(1) صحيح مسلم 1:134 كتاب الإيمان ـ باب شفاعة النبي لأبي طالب.
(2) الطبقات الكبري 1:123ـ124.