الحديث الدالّ على تعيين أبي بكر للخلافة!!
ومن ذلك: حديثه المتضمّن تعيين النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أبا بكر للخلافة من بعده، وهو حديث موضوع مفترى قطعاً. قال في كتاب المناقب:
«حدّثني عبيدالله بن سعيد، حدّثنا يزيد بن هارون، أخبرنا إبراهيم بن سعد، حدّثنا صالح بن كيسان، عن الزهري، عن عروة عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال لي رسول الله في مرضه: اُدعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتّى أكتب كتاباً، فانّي أخاف أن يتمنّ ويقول القائل: أنا أولى، ويأبى الله والمؤمنون الاّ أبا بكر»(1).
وهذا الحديث أخرجه البخاري أيضاً، ولفظه في كتاب المرضى:
«لقد هممت أو أردت أن أرسل الى أبي بكر وابنه وأعهد أن يقول القائلون أو يتمنّى المتمنّون، ثمّ قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون»(2).
وهذا الحديث الذي قال النووي بشرحه: «في هذا الحديث دلالة ظاهرة لفضل أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، واخبار منه صلّى الله عليه وسلّم بما سيقع في المستقبل بعد وفاته، وأنّ المسلمين يأبون عقد الخلافة لغيره»(3).
ظاهر الكذب والبطلان، لاتفاق القوم أنفسهم على أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم ينصّ على أبي بكر بالخلافة، ولو كان مثل هذا الكلام صادراً منه حقّاً لما احتجّوا بالأباطيل الواهيات، ولما وقعت الاختلافات والنزاعات….
ولقد نصّ النووي ـ بشرح حديث: من كان رسول الله مستخلفاً لو استخلفه؟: على أنّ «فيه دلالة لأهل السنّة أنّ خلافة أبي بكر ليست بنصّ من النبي على خلافة صريحاً، بل أجمعت الصحابة على عقد الخلافة له وتقديمه بفضله، ولو كان هناك نصّ عليه أو على غيره لم يقع المنازعة من الأنصار وغيرهم أوّلا، ولذكر حافظ النص ما معه، ولرجعوا، ولكن تنازعوا أولا ولم يكن هناك نص، ثمّ اتفقوا على أبي بكر واستقرّ الأمر.
وأمّا ما تدّعيه الشيعة من النص على علي والوصيّة اليه، فباطل لا أصل له باتّفاق المسلمين، والانفاق على بطلان دعواهم في زمن علي، وأوّل من كذّبهم علي بقوله: ما عندنا الاّ ما في هذه الصحيفة»(4).
فتراه يستدلّ بما كان في السقيفة، ولو كان ما أورده مسلم صحيحاً لما احتاج الى ذلك!!
وعلى الجملة، فانّ هذا الحديث لو صحّ لا ستدلّ به القوم على إمامة أبي بكر ولم يقولوا بعدم النصّ على خلافة، ولم يتشبّثوا بالخرافات والأباطيل الاُخرى، فانّه حتى لو كان وارداً مورد الاخبار عن الغيب، لكان الإستدلال به دون غيره أولى وأحرى…
وقد نصّ أبو السعادات ابن الأثير أيضاً على عدم النصّ على أبي بكر حيث قال: «ولا يصدّق الشيعة بنقل النص على إمامة علي كرّم الله وجهه والبكرية على إمامة أبي بكر رضي الله عنه، لأنّ هذا وضعه الآحاد أوّلا وأفشوه، ثمّ كثر الناقلون في عصره وبعده من الأعصار، فلذلك لم يحصل التصديق»(5).
فوا أسفاه على البخاري ومسلم، إذ اُشرب في قلوبهما حبّ الشيخين، فنقلا مثل هذه الأكاذيب والخرافات، التي نصّ أئمّتهم على كونها ممن افتراءات البكريّة وأخبارهم الموضوعات.
(1) صحيح مسلم 4:1857/2387.
(2) صحيح البخاري 7:218.
(3) شرح مسلم للنووي 15:155.
(4) شرح مسلم للنووي 15:154ـ155.
(5) جامع الاُصول 1:121.