عقدنا هذا الفصل لِما قد يروى في بعض كتب أهل السنّة مخالفاً لِما ثبت عند المسلمين ويُدّعى كونه معارضاً لما ورد متواتراً عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله… حتى لا يخلو الكتاب من هذه الناحية، ولا يبقى ريبٌ فيما اتفقت عليه الاُمة.
إنّ هذه الأخبار كلّها موضوعة أو محرّفة أو شاذة لا تصلح لمعارضة ما صحّ أو تواتر، وهي كما يلي:
حديث: لا مهدي إلاّ عيسى بن مريم
انفرد بروايته ابن ماجة، حيث قال:
«حدّثنا يونس بن عبدالأعلى، ثنا محمّد بن إدريس الشافعي، حدّثني محمّد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا يزداد الأمر إلاّ شدّة ولا الدنيا إلاّ إدباراً ولا الناس إلاّ شحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّعلى شرار الناس، ولا مهدي إلاّ عيسى بن مريم»(1).
قلت: هذا الحديث تكذّبه أخبار المهدي عند أهل البيت عليهم السلام وأحاديثه الواردة بالتواتر من طرق غيرهم، ولذا، فقد ضعّفه الأئمّة كالحاكم والبيهقي وغيرهما(2)، وقد تكلّم علماء القوم في رجاله، قالوا في سنده: «محمّد بن خالد الجَندي» وهو المنفرد بروايته، ولذا أوردوه بترجمته:
فقال المزّي: «محمّد بن خالد الجندي الصنعاني المؤذّن، روى عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس حديث: لا مهدي إلاّ عيسى بن مريم… روى له ابن ماجة حديث المهدي… قال أبو بكر بن زياد: وهذا حديث غريب… وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: هذا حديث تفرّد به محمّد بن خالد الجندي. قال أبو عبداللّه الحافظ: ومحمّد بن خالد رجل مجهول، واختلفوا في إسناده…»(3).
وقال الذهبي: «محمّد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح. روى عنه الشافعي. قال الأزدي: منكر الحديث، وقال أبو عبداللّه الحاكم: مجهول. قلت: حديثه لا مهدي إلاّ عيسى بن مريم. وهو خبر منكر، أخرجه ابن ماجة…»(4).
وقال ابن حجر: «محمّد بن خالد الجندي، بفتح الجيم والنون، المؤذّن مجهول. من السابعة ـ ق»(5).
قلت:
و«أبان بن صالح» وإنْ وثّقه الأئمة ـ كما قالوا ـ لكن عن الحافظين ابن عبدالبر وابن حزم أنهما ضعّفاه(6)، وقال الذهبي: «لكن قيل: إنّه لم يسمع من الحسن، ذكره ابن الصّلاح في أماليه»(7).
و«الحسن» هو: الحسن البصري المعروف المشهور، وعداده في بعض الكتب في مبغضي علي عليه السلام، ولذا ورد الذم فيه عن أهل البيت، بل قيل بتواتر ذلك عنهم(8)، وأما أهل السنّة، فإنّهم وإنْ رووا عنه في الصّحاح الستة وعدّوه من الزُّهاد الثمانية، فقد نصوا على أنه كان كثير الإرسال والتدليس(9).
قلت:
و«يونس بن عبدالأعلى» وإنْ وثّقوه إلاّ أنّه متّهم بالكذب في هذا الخبر، فقد قال الحافظ المزّي: «وروى الحافظ أبو القاسم في تاريخ دمشق بإسناده عن أحمد بن محمّد بن رشدين قال: حدّثني أبو الحسن علي بن عبيداللّه الواسطي قال: رأيت محمّد بن إدريس الشافعي في المنام فسمعته يقول: كذب عليَّ يونس في حديث الجندي حديث الحسن عن أنس عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم في المهدي. قال الشافعي: ما هذا من حديثي ولا حدّثت به، كذب عليَّ يونس»(10).
هذا كلّه، بالإضافة إلى أنّ الذّهبي قال: وللحديث علة اخرى… فذكرها(11).
هذا، وقد جاء في النّصوص الصحيحة المتكاثرة أنّ عيسى بن مريم ينزل ويصلّي خلف المهدي، ومن ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم بسندهما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم»(12).
وما أخرجه أحمد بسنده عنه انّه قال في حديث فيه ذكر الدجّال: «فإذا هم بعيسى بن مريم، فتقام الصلاة، فيقال له: تقدّم يا روح اللّه. فيقول: ليتقدّم إمامكم فيصلّ بكم»(13).
قال المناوي: «فإنّه ينزل عند صلاة الصبح على المنارة البيضاء شرقي دمشق، فيجد الإمام المهدي يريد الصلاة فيحسُّ به فيتأخّر ليتقدم، فيقدّمه عيسى عليه السلام ويصلّي خلفه. فأعظم به فضلاً وشرفاً لهذه الامّة»(14).
قال أبو الحسن الآبري: «قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى ـ يعني في المهدي ـ وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملك سبع سنين، ويملأ الأرض عدلاً، وأنّه يخرج عيسى بن مريم فيساعده على قتل الدجّال بباب اللّد بأرض فلسطين، وأنه يؤمّ هذه الامّة وعيسى ـ صلوات اللّه عليه ـ يصلّي خلفه. في طول من قصّته وأمره»(15).
وقال السيوطي ردّاً على من أنكر هذا «هذا من أعجب العجب، فإنّ صلاة عيسى خلف المهدي ثابتة في عدّة أخبار صحيحة، بإخبار رسول اللّه صلّى اللّه على وسلّم، وهو الصّادق المصدّق الذي لا يخلف خبره»(16).
أقول:
فظهر سقوط قول السّعد التفتازاني: «فما يقال: إن عيسى يقتدي بالمهدي أو بالعكس، شيء لا مستند له، فلا ينبغي أنْ يعوّل عليه»(17).
(1) سنن ابن ماجة 2 / 1340.
(2) التاج الجامع للاصول 5 / 341.
(3) تهذيب الكمال 25 / 151.
(4) ميزان الاعتدال 3 / 535.
(5) تقريب التهذيب 2 / 157.
(6) تهذيب التهذيب 1 / 82 .
(7) ميزان الإعتدال 3 / 535.
(8) تنقيح المقال 1 / 269.
(9) تقريب التهذيب 1 / 165.
(10) تهذيب الكمال 25 / 149.
(11) ميزان الإعتدال 3 / 535.
(12) صحيح البخاري، باب نزول عيسى من كتاب بدء الخلق، صحيح مسلم الباب من كتاب الإيمان.
(13) مسند أحمد 3 / 367.
(14) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 6 / 17.
(15) تهذيب الكمال 25 / 149.
(16) الحاوي للفتاوي 2 / 167.
(17) شرح المقاصد 5 / 313.