بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.
الإمام المهدي في عقيدتنا ـ نحن الشيعة الإمامية الإثني عشرية ـ هو الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيت عليهم السلام.
نعتقد بأنّه ابن الحسن العسكري سلام اللّه عليه، ومن أولاد الإمام الحسين، من أهل البيت سلام اللّه عليهم.
ونعتقد بأنّه مولود حي موجود، إلاّ أنّه غائب عن الأبصار.
عقيدتنا هذه من ضروريّات مذهبنا، والتشكيك في هذه العقيدة من أبناء هذا المذهب خروج عن المذهب.
ولو أردنا أنْ نتكلّم مع أبناء غير هذا المذهب وندعوا الآخرين إلى هذه العقيدة، فلابدّ وأنْ نستدلّ بأدلّة مقبولة وباُسلوب متين، نخاطب بها أهل العلم والإنصاف منهم، لا الذين لا تنفعهم الموعظة الحسنة ولا جدوى للبحث معهم ولو جئت بألف دليل، بل يقابلونك بالسبّ والشتم والفرية والبهتان، كما هو دأب أتباع ابن تيميّة، وهذه جملٌ ممّا كتبته يد شيخهم في الكتاب المسمّى بـ(منهاج السنّة):
الامام المهدي عند ابن تيميّة
قال: «ومن حماقتهم أيضاً: أنهم يجعلون للمنتظر عدّة مشاهد ينتظرونه فيها، كالسّرداب الذي بسامرّاء، الذي يزعمون أنّه غاب فيه، ومشاهد أخر. وقد يقيمون هناك دابّة ـ إمّا بغلة وإمّا فرساً وإمّا غير ذلك ـ ليركبها إذا خرج، ويقيمون هناك إمّا في طرفي النهار وإمّا في أوقات اُخر من ينادي عليه بالخروج: يا مولانا اُخرج، يا مولانا اُخرج، ويشهرون السّلاح ولا أحد هناك يقاتلهم، وفيهم من يقوم في أوقات الصلاة دائماً، لا يصلي خشية أن يخرج وهو في الصّلاة فيشتغل بها عن خروجه وخدمته، وهم في أماكن بعيدة عن مشهده، كمدينة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، إمّا في العشر الأواخر من شهر رمضان وإمّا في غير ذلك، يتوجّهون إلى المشرق وينادونه بأصوات عالية يطلبون خروجه.
ومن المعلوم: أنه لو كان موجوداً وقد أمره اللّه بالخروج، فإنه يخرج سواء نادوه أو لم ينادوه، وإن لم يؤذن له فهو لا يقبل منهم، وأنه إذا خرج فإنّ اللّه يؤيّده ويأتيه بما يركبه وبمن يعينه وينصره لا يحتاج إلى أن يوقف له دائماً من الآدميّين من ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً!
واللّه سبحانه قد عاب في كتابه من يدعو من لا يستجيب له دعاءه… هذا مع أنّ الأصنام موجودة، وكان يكون فيها أحياناً شياطين تتراءى لهم وتخاطبهم، ومن خاطب معدوماً كانت حالته أسوء من حال من خاطب موجوداً وإن كان جماداً. فمن دعا المنتظر الذي لم يخلقه اللّه كان ضلاله أعظم من ضلال هؤلاء، وإذا قال: أنا أعتقد وجوده، كان بمنزلة قول أولئك: نحن نعتقد أن هذه الأصنام لها شفاعة عند اللّه، فيعبدون من دون اللّه ما لا ينفعهم ولا يضرّهم ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عنداللّه، والمقصود أن كليهما يدعو من لا ينفع دعاؤه، وإن كان أولئك اتّخذوهم شفعاء آلهة وهؤلاء يقولون: هو إمام معصوم، فهم يوالون عليه ويعادون عليه كموالاة المشركين على آلهتهم، ويجعلونه ركناً في الإيمان لا يتم الدّين إلاّ به، كما يجعل بعض المشركين آلهتهم كذلك…»(1).
قال: «وأيضاً: فصاحب الزّمان الذي يدعون إليه، لا سبيل للناس إلى معرفته ولا معرفة ما يأمرهم به وما ينهاهم عنه وما يخبرهم به، فإن كان أحد لا يصير سعيداً إلاّ بطاعة هذا الذي لا يعرف أمره ولا نهيه، لزم أنه لا يتمكّن أحد من طريق النجاة والسعادة وطاعة اللّه، وهذا من أعظم تكليف ما لا يطاق، وهم من أعظم الناس إحالةً له.
وإن قيل: بل هو يأمر بما عليه الإماميّة. قيل: فلا حاجة إلى وجوده ولا شهوده، فإن هذا معروف سواء كان هو حيّاً أو ميّتاً، وسواء كان شاهداً أو غائباً… لكن الرّافضة من أجهل الناس، وذلك أن فعل الواجبات العقليّة والشرعيّة، وترك المستقبحات العقليّة والشرعيّة، إمّا أن يكون موقوفاً على معرفة ما يأمر به وينهى عنه هذا المنتظر، وإمّا أن لا يكون موقوفاً، فإن كان موقوفاً لزم تكليف ما لا يطاق، وأن يكون فعل الواجبات وترك المحرّمات موقوفاً على شرط لا يقدر عليه عامّة الناس بل ولا أحد منهم، فإنّه ليس في الأرض من يدّعي دعوى صادقة أنه رأى هذا المنتظر أو سمع كلامه. وإن لم يكن موقوفاً على ذلك أمكن فعل الواجبات العقليّة والشرعيّة وترك القبائح العقلية والشرعية بدون هذا المنتظر، فلا يحتاج إليه ولا يجب وجوده ولا شهوده…»(2).
قال: «وقد رأيت طائفةً من شيوخ الرافضة كابن العود الحلّي يقول: إذا اختلفت الإمامية على قولين أحدهما يعرف قائله والآخر لا يعرف قائله، كان القول الذي لا يعرف قائله هو القول الحق الذي يجب اتّباعه، لأنّ المنتظر المعصوم في تلك الطائفة.
وهذا غاية الجهل والضّلال، فإنّه ـ بتقدير وجود المنتظر المعصوم ـ لا يعلم أنه قال ذلك القول، إذ لم ينقله عنه أحد ولا عمّن نقله عنه، فمن أين يجزم بأنه قوله؟… فكان أصل دين هؤلاء الرّافضة مبنيّاً على مجهول ومعدوم…»(3).
قال: «وأيّ من فرض إماماً نافعاً في بعض مصالح الدين والدنيا، كان خيراً ممّن لا ينتفع به في شيء من مصالح الإمامية… فهل يكون أبعد عن مقصود الإمامة وعن الخير والكرامة ممّن سلك منهاج الندامة؟»(4).
«وهذا المنتظر لم ينتفع به لا مؤمن به ولا كافر به»(5).
«ومن المعلوم المتيقّن: أنّ هذا المنتظر الغائب المفقود لم يحصل به شيء من المصلحة واللّطف، سواء كان ميّتاً كما يقوله الجمهور، أو كان حيّاً كما تظنّه الإماميّة، وكذلك أجداده المتقدّمون لم يحصل بهم شيء من المصلحة واللّطف الحاصلة من إمام معصوم ذي سلطان…»(6).
قال: «وكلّ من تولّى كان خيراً من المعدوم المنتظر الذي تقول الرافضة إنه الخلف الحجّة…»(7).
قال: «إنّ طوائف ادّعى كلّ منهم أنه المهدي المبشّر به، مثل مهدي القرامطة الباطنية… وممّن ادّعى أنه المهدي، ابن التومرت… ومثل عدّة آخرين… .
وبكلّ حال، فهو وأمثاله خير من مهدي الرافضة الذي ليس له عين ولا أثر…»(8).
قال: «بل حصل باعتقاد وجوده من الشرّ والفساد ما لا يحصيه إلاّ رب العباد»(9).
قال: «قد ذكر محمّد بن جرير الطبري وعبد الباقي بن قانع وغيرهما من أهل العلم بالأنساب والتواريخ: إن الحسن بن علي العسكري لم يكن له نسل ولا عقب»(10).
هذا، وسيكون بحثنا عن الامام المهدي عليه السلام، لبيان عقيدتنا فيه ودفع الشبهات عنه في فصول:
(1) منهاج السنة 1 / 44 ـ 47.
(2) منهاج السنة 1 / 87 ـ 88.
(3) منهاج السنة 1 / 89 ـ 90.
(4) منهاج السنة 1 / 100 ـ 101.
(5) منهاج السنة 1 / 133.
(6) منهاج السنة 3 / 378.
(7) منهاج السنة 1 / 548.
(8) منهاج السنة 8 / 258 ـ 259.
(9) منهاج السنة 8 / 259.
(10) منهاج السنة 4/87.