ومن فضائل أهل البيت «حديث المباهلة»… فإنّه لمّا نزلت الآية المباركة: (فَمَنْ حاجّك فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَة اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(1).
خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بعليٍّ وفاطمة والحسنين عليهم السلام إلى المباهلة.
حديث المباهلة بأهل البيت
قال السيوطي: «وأخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وعبد ابن حميد وابن جرير وأبو نعيم عن الشعبي قال: كان أهل نجران أعظم قوم من النصارى قولا في عيسى بن مريم، فكانوا يجادلون النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فيه. فأنزل اللّه هذه الآيات في سورة آل عمران (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ) إلى قوله: (فَنَجْعَل لَّعْنَة اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ). فأمر بملاعنتهم، فواعدوه لغد، فغدا النبي صلّى اللّه عليه وسلّم: لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر لو تمّوا على الملاعنة»(2).
وقال: «وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن سعد بن أبي وقّاص قال: لَمّا نزلت هذه الآية: (قُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ) دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي»(3).
وقال: «وأخرج الحاكم وصحّحه، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال: قدم على النبي صلّى اللّه عليه وسلّم العاقب والسيد فغدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرّا له. فقال: والذي بعثني بالحقّ لو فعلا لأمطر الوادي عليهما ناراً.
قال جابر: فيهم نزلت: (تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ) الآية. قال جابر: أنفسنا وأنفسكم: رسول اللّه وعليّ. وأبناءنا: الحسن والحسين. ونساءنا: فاطمة»(4).
قال: «وأخرج ابن جرير عن غلباء بن أحمر اليشكري قال: لمّا نزلت هذه الآية: (قُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ)الآية. أرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عليّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين، ودعا اليهود ليلاعنهم، فقال شابّ من اليهود: ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الّذين مسخوا قردة وخنازير! لا تلاعنوا! فانتهوا»(5).
فمن رواة الحديث:
1 ـ أبو بكر ابن أبي شيبة.
2 ـ سعيد بن منصور.
3 ـ عبد بن حميد.
4 ـ مسلم بن الحجّاج.
5 ـ أبو عيسى الترمذي.
6 ـ أبو عبداللّه الحاكم.
7 ـ ابن المنذر.
8 ـ محمّد بن جرير الطبري.
9 ـ أبو بكر البيهقي.
10 ـ أبو نعيم الأصفهاني.
11 ـ جلال الدين السيوطي.
وهو في (المسند):
«حدّثنا عبداللّه، حدثني أبي، ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول له(6) وخلّفه في بعض مغازيه، فقال عليّ رضي اللّه عنه: أتخلّفني مع النساء والصبيان؟ قال: يا عليّ، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبوّة بعدي.
وسمعته يقول يوم خيبر: لأُعطينّ الراية رجلا يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله، فتطاولنا لها. فقال: ادعوا لي عليّاً ـ رضي اللّه عنه ـ فأُتي به أرمد، فبصق في عينه، ودفع الراية إليه ففتح اللّه عليه.
ولمّا نزلت هذه الآية: (نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ) دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً ـ رضوان اللّه عليهم أجمعين ـ فقال: اللّهمّ هؤلاء أهلي»(7).
أقول: ولا يخفى أنّ هذا الحديث هو نفس الحديث الذي أخرجه مسلم، وقد تقدّم نصّه في الحديث الأول، فقارن بين هذا اللفظ واللفظ المتقدّم، لتعرف ما في لفظ أحمد من التحريف والتصرّف.
وقد ذكر المفسّرون خبر المباهلة بذيل الآية المباركة فلاحظ تفاسير: الزمخشري، الفخر الرازي، البيضاوي، الخازن، الجلالين، الآلوسي وغيرهم.
(1) سورة آل عمران (3): الآية 61.
(2) الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور 2 / 69.
(3) المصدر 2 / 70.
(4) الدرّ المنثور 2 / 68.
(5) المصدر 2 / 70 ويلاحظ أنّ بعض النواصب أسقط اسم «علي» من بعض ألفاظ الحديث.
(6) يعني علياً عليه السّلام.
(7) المسند 1 / 301 ـ 302 مسند سعد بن أبي وقاص رقم 1611.