حديث: إسم أبيه إسم أبي
فأقول:
لنا هنا بحثان، أحدهما: في أنّ الحديث بلفظ «اسمه اسمي» بدون «واسم أبيه اسم أبي» رواه أحد من أهل العلم بالحديث، أو لا؟ والثاني: في أنّ الحديث بلفظ «إسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي» من رواه؟ وما إسناده؟
البحث الأوّل:
نقول ـ كما قال ابن تيميّة ـ أحاديث المهدي معروفة، رواها الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم، كحديث عبد اللّه بن مسعود، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم واحد . . .» لكنّ الحديث عن ابن مسعود ليس كما ذكره ابن تيميّة.
وفي رواية أحمد في مسند عبد اللّه بن مسعود عن عمر بن عبيد عن عاصم ابن أبي النجود عن زر بن حبيش عن عبد اللّه قال: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تنقضي الأيام ولا يذهب الدهر حتى يملك رجل من أهل بيتي اسمه يواطئ اسمي»(1).
وعن يحيى بن سعيد عن سفيان عن عاصم عن زر عن عبد اللّه عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «لا تذهب الدنيا أو قال: لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي ويواطئ اسمه اسمي»(2).
ورواه بنفس السند واللفظ مرة أُخرى(3).
وعن عمر بن عبيد الطنافسي، عن عاصم عن زر عن عبد اللّه باللّفظ(4).
وفي رواية التّرمذي «حدّثنا عبيد بن أسباط بن محمّد القرشي الكوفي قال: حدّثني أبي، حدّثنا سفيان الثوري عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد اللّه قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي. قال أبو عيسى: وفي الباب عن: علي وأبي سعيد وأُمّ سلمة وأبي هريرة. وهذا حديث حسن صحيح»(5).
البحث الثاني: والحديث في رواية أبي داود كذلك، غير أنّه رواه في أحد الأسانيد بزيادة لفظ «واسم أبيه اسم أبي» وهذا نصّ ما ذكره:
«حدّثنا مسدد: إن عمر بن عبيد حدّثهم. وثنا محمّد بن العلاء ثنا أبو بكر ـ يعني ابن عيّاش ـ حدثنا مسدّد ثنا يحيى، عن سفيان، وثنا أحمد بن إبراهيم، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أخبرنا زائدة. حدثنا أحمد بن إبراهيم حدّثني فطر ـ المعنى واحد ـ كلّهم عن عاصم، عن زر، عن عبد اللّه، عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم، قال زائدة: لطوّل اللّه ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل منّي أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي: زاد في حديث فطر: يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. وقال في حديث سفيان: لا تذهب أو لا تنقضي الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي.
قال أبو داود: لفظ عمر وأبي بكر بمعنى سفيان»(6).
فظهر التطابق في الرواية لحديث عبد اللّه بن مسعود بين رواية أحمد والترمذي وأبي داود، وهو المطابق لما تذهب إليه الإماميّة، ووافقهم عليه من غيرهم كثيرون من أنّه «محمّد بن الحسن العسكري» فاسمه يواطئ اسم جدّه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وانفرد أبو داود برواية الحديث بسند فيه «زائدة» بزيادة لفظ «واسم أبيه اسم أبي».
وقد تكلّم علماء الفريقين على هذا اللفظ سنداً ومعنى وأجابوا عنه بوجوه عديدة، لا حاجة بنا إلى التطويل بإيرادها بعد ما تقرّر لزوم طرح الشاذ النادر من الأخبار، والأخذ بالمجمع عليه، لكون المجمع عليه لا ريب فيه.
وقد كرّر ابن تيميّة دعواه في لفظ حديث عبد اللّه بن مسعود، ولم يعز روايته بلفظ «واسم أبيه اسم أبي» إلى أحد غير أنّه بعد أن أورده كذلك قال: «ورواه الترمذي وأبو داود من رواية أُمّ سلمة» وظاهره إخراجهما الحديث عنها بذاك اللفظ، وهو كذب في كذب. ولننقل عين عبارته:
«إنّ الأحاديث التي يحتج بها عن خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم، من حديث ابن مسعود وغيره، كقوله صلّى اللّه عليه وسلّم في الحديث الذي رواه ابن مسعود: لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل اللّه ذلك اليوم، حتى يخرج فيه رجل منّي أو من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. ورواه الترمذي وأبو داود من رواية أُمّ سلمة… .
وهذه الأحاديث غلط فيها طوائف، طائفة أنكروها واحتجّوا بحديث ابن ماجة أنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لا مهدي إلاّ عيسى بن مريم. وهذا الحديث ضعيف . . .».
أقول:
قد عرفت أنّ «اللفظ المتّفق عليه بين الأئمّة» هو الحديث الخالي عن «واسم أبيه اسم أبي» وأنّ هذا اللفظ ما رواه إلاّ أبو داود في أحد أسانيده، وفيه «زائدة» وقد نصّ على أنّ هذه الزيادة من رواية هذا الرجل فحسب وما وافقه عليها أحد.
لكنّ ابن تيميّة يحاول أن يوهم أنّ الزيادة هي المتّفق عليه، وأنّ اللفظ الخالي عنها من صنع الإماميّة وتحريفٌ للحديث!! بل يريد في هذا الكلام أن يوهم أنّ اللفظ مع الزيادة مروي عن أُمّ سلمة كذلك.
ثمّ انّ ابن تيميّة تعرّض لبعض ما قيل في الجواب عن الزّيادة، إذ حملوها على وجوه لغرض الجمع بينها وبين اللفظ المتّفق عليه، فأورد كلام العلاّمة ابن طلحة الشافعي، وجعل يشنّع عليه ويرميه بالتحريف . . . وهذا عين عبارته:
«إنّ الإثنى عشرية الذين ادّعوا أنّ هذا هو مهديّهم، مهديّهم اسمه محمّد ابن الحسن، والمهدي المنعوت الذي وصفه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم محمّد بن عبد اللّه، ولهذا حذفت طائفة ذكر الأب من لفظ الرسول حتى لا يناقض ما كذبت.
وطائفة حرّفته فقالت: جدّه الحسين وكنيته أبو عبد اللّه، فمعناه: محمّد بن أبي عبد اللّه، وجعلت الكنية اسماً، وممّن سلك هذا ابن طلحة في كتابه الذي سمّاه (غاية السئول في مناقب الرسول). ومن له أدنى نظر يعرف أن هذا تحريف صريح كذب على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فهل يفهم أحد من قوله: يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي إلاّ أنّ اسم أبيه عبد اللّه؟ وهل يدل هذا اللفظ على أنّ جدّه كنيته أبو عبد اللّه؟ . . . وأيضاً: فانّ المهدي المنعوت من ولد الحسن بن علي لا من ولد الحسين، كما تقدّم لفظ حديث علي»(7).
أقول:
ان المنعوت الذي وصفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هو «محمّد بن الحسن» فإنّه مفاد الحديث الصحيح المتّفق عليه الذي لا كلام فيه، وأمّا الذي فيه ذكر الأب فليس من لفظ الرّسول حتى يناقض ما ذهب إليه الإثنا عشريّة، وإنّما هو رواية واحد من الرّواة وقد خالفه غيره فيه . . . ولكنّ العلماء ـ كما ذكرنا من قبل ـ أرادوا الجمع بينه وبين اللفظ الصحيح المتّفق عليه فحملوه على بعض الوجوه، وهي سواء صحّت أو لم تصح محامل ولا يجوّز التعبير عن تلك الوجوه بـ«التحريف» إلاّ جاهل غبيّ أو متعصّب عنيد.
وقد كان من تلك الوجوه ما ذكره العلاّمة الشيخ كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي المتوفى سنة (652) في كتاب (مطالب السئول في مناقب آل الرسول)(8) فإنّه قال بعد ذكر الإشكال:
«فالجواب: لابدّ قبل الشروع في تفصيل الجواب من بيان أمرين يبتني عليهما الغرض:
الأوّل: انّه سايغ شائع في لسان العرب إطلاق لفظة «الأب» على «الجد الأعلى» وقد نطق القرآن الكريم بذلك فقال (مِلَّةَ أبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ)وقال تعالى حكاية عن يوسف (وَاتَّبَعْتُ مِلَّةِ آبَائِي إبْرَاهِيمَ وَإسْحَقَ)ونطق به النبي وحكاه عن جبرئيل في حديث الإسراء أنّه قال: قلت: من هذا؟ قال: أبوك إبراهيم. فعلم أنّ لفظة الأب تطلق على الجد وإن علا، فهذا أحد الأمرين.
والأمر الثاني: إنّ لفظة «الاسم» تطلق على «الكنية» وعلى «الصفة» وقد استعملها الفصحاء ودارت بها ألسنتهم ووردت في الأحاديث، حتى ذكرها الإمامان البخاري ومسلم، كلّ واحد منهما يرفع ذلك بسنده إلى سهل بن سعد الساعدي أنّه قال عن علي: واللّه إن رسول اللّه سمّاه بأبي تراب ولم يكن له اسم أحبّ إليه منه. فأطلق لفظة الاسم على الكنية. ومثل ذلك قال الشاعر:
أجلّ قدرك أن تسمّى مؤنته *** ومن كنّاك قد سمّاك للعرب
ويروى: ومن يصفك.
فأطلق التسمية على الكناية، وهذا شائع ذائع في كلام العرب.
فإذا وضح ما ذكرناه من الأمرين فاعلم أيّدك اللّه بتوفيقه: إنّ النبي كان له سبطان: أبو محمّد الحسن وأبو عبد اللّه الحسين، ولمّا كان الخلف الصالح الحجة من ولد أبي عبد اللّه الحسين ولم يكن من ولد أبي محمّد الحسن، وكانت كنية الحسين أبا عبد اللّه، فأطلق النبي على الكنية لفظة الاسم لأجل المقابلة بالاسم في حق أبيه، وأطلق على الجد لفظة الأب. فكأنّه قال: يواطئ اسمه اسمي، فهو محمّد وأنا محمّد وكنية جدّه اسم أبي، إذ هو أبو عبد اللّه وأبي عبد اللّه. لتكون تلك الألفاظ المختصرة جامعةً لتعريف صفاته وإعلاماً أنّه من ولد أبي عبد اللّه الحسين بطريق جامع موجز.
وحينئذ تنتظم الصفات وتوجد بأسرها مجتمعة للحجة الخلف الصالح محمّد.
وهذا بيان شاف كاف لإزالة ذلك الإشكال، فافهمه».
أقول:
هذا ما ذكره ابن طلحة الفقيه المحدّث الشافعي في معنى اللّفظ الذي شذّ به «زائدة» كي يخرجه عن الطّرح، وهذا لا يسمّى بـ«التحريف» كما قال ابن تيميّة، مع أنّه ـ أعني ابن تيميّة ـ قد حرّف الكلام ولم ينقله بكامله.
فإن قُبل ما ذكره هذا الشيخ أو غيره، فهو، وإلاّ سقط حديث «زائدة».
وقوله: وأيضاً فإنّ المهدي المنعوت من ولد الحسن بن علي لا من ولد الحسين، كما تقدّم في لفظ حديث علي.
فيه: إنّه قد تقدّم الكلام على الحديث الذي روي عن علي، فلا نعيد.
قال العلاّمة الحلي:
«فهؤلاء الأئمّة الفضلاء المعصومون الذين بلغوا الغاية في الكمال، ولم يتّخذوا ما اتّخذ غيرهم من الأئمّة المشتغلين بالملك وأنواع المعاصي والملاهي وشرب الخمور والفجور، حتى فعلوا بأقاربهم ما هو المتواتر بين النّاس.
قالت الإماميّة: فاللّه يحكم بيننا وبين هؤلاء وهو خير الحاكمين.
وما أحسن قول بعض الناس شعراً:
إذا شئت أن ترضى لنفسك مذهباً *** وتعلم أنّ الناس في نقل أخبارِ
فدع عنك قول الشافعي ومالك *** وأحمد والمرويَّ عن كعب أحبارِ
ووال أُناساً قولهم وحديثهم *** روى جدّنا عن جبرئيل عن الباري»
(1) مسند أحمد 1 / 376.
(2) مسند أحمد 1 / 377.
(3) مسند أحمد 1 / 430.
(4) مسند أحمد 1 / 448.
(5) صحيح الترمذي 4 / 438.
(6) سنن أبي داود 2 / 207.
(7) منهاج السنة 8 / 254 ـ 258، الطبعة الجديدة.
(8) هكذا اسمه لا ما ذكره ابن تيميّة، وهو مطبوع. وقد ترجم لابن طلحة وأثنى عليه كبار العلماء، وعدّ من فقهاء الشافعيّة المشاهير، توجد ترجمته في: العبر 5 / 213 والنجوم الزاهرة 7 / 33 وطبقات الشافعية للسبكي وابن قاضي شهبة وغيرها.