الإمام علي بن محمّد الهادي عليه السلام
(وكان ولده الهادي عليه السلام ويقال له العسكري، لأنّ المتوكّل أشخصه…)
قال الخطيب البغدادي: «أشخصه جعفر المتوكل على اللّه من مدينة رسول اللّه إلى بغداد، ثمّ إلى سرّ من رأى، فقدمها وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر»(1).
وقال سبط ابن الجوزي: «وانّما نسب إلى العسكري، لأنّ جعفر المتوكّل أشخصه من المدينة إلى بغداد، إلى سرّ من رأى، فأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر، ويلقب بالمتوكّل والنقي»(2).
وقال ابن خلّكان: «ولما كثرت السّعاية في حقّه عند المتوكل أحضره من المدينة. وكان مولده بها، وأقرّه بسرّ من رأى، وهي تدعى العسكر، لأنّ المعتصم لما بناها انتقل إليها بعسكره فقيل لها العسكر، ولهذا قيل لأبي الحسن المذكور العسكري، لأنّه منسوب إليها، وأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر»(3).
وقال ابن حجر المكي: «سمّي العسكري، لأنّه أشخص من المدينة النبويّة إلى سرّ من رأى، وأسكن بها وكانت تسمّى العسكر، فعرف بالعسكري»(4).
(وإنّما أشخصه المتوكّل من المدينة لأنّه كان يبغض علياً عليه السلام…)
أقول: بغض المتوكّل عليّاً عليه السلام مشهور لا ينازع فيه أحد، وهو الذي هدم قبر الحسين وما حوله من الدّور، وأمر أن يزرع ومنع الناس من إتيانه وزيارته(5). فقال البسّامي أبياتاً منها:
أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا *** في قتله فتتبّعوه رميما
وقال الذهبي: «وكان المتوكّل فيه نصب وانحراف»(6).
وقال ابن الأثير ـ في حوادث 236 ـ: «في السنة أمر المتوكّل بهدم قبر الحسين بن علي عليه السلام وهدم ما حوله من المنازل والدور، وأن يبذر ويسقى موضع قبره، وأن يمنع الناس من إتيانه، فنادى عامل صاحب الشرطة بالناس في تلك الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة أيام حبسناه في المطبق. فهرب الناس وتركوا زيارته، وحرث وزرع.
وكان المتوكّل شديد البغض لعلي بن أبي طالب عليه السلام، ولأهل بيته، وكان يقصد من يبلغه عنه أنّه يتولّى عليّاً وأهله بأخذ المال والدم، وكان من جملة ندمائه عبادة المخنّث، وكان يشدّ على بطنه تحت ثيابه مخدّةً ويكشف رأسه وهو أصلع ويرقص بين يدي المتوكّل والمغنّون يغنّون: قد أقبل الأصلع البطين خليفة المسلمين. يحكي بذلك علياً عليه السلام والمتوكّل يشرب ويضحك . . .»(7).
والعجب أنّه مع ذلك يصفه بعضهم قائلاً: «استخلف المتوكّل فأظهر السنّة وتكلّم بها في مجلسه، وكتب إلى الآفاق برفع المحنة وبسط السنّة ونصر أهلها»(8) ولعلّهم يريدون من «السنّة» القول بقدم القرآن، وقال السّيوطي بعد خبر: «استفدنا من هذا أنّ المتوكّل كان متمذهباً بمذهب الشافعي، وهو أوّل من تمذهب من الخلفاء»(9) ثمّ الأعجب ما جاء فيه ـ بعد حكاية ما فعل بابن السكيّت وقصته مشهورة: «وكان المتوكّل رافضياً»(10) لكنّي لا أستبعد أن يكون التحريف من النّساخ أو الناشرين للكتاب.
هذا، وقد شهد كثير ممّن ذكر الإمام الهادي (عليه السلام)بفقهه وورعه وعبادته، قال اليافعي: «كان الإمام علي الهادي متعبّداً فقيهاً إماماً»(11)وبمثله قال ابن العماد الحنبلي(12) وقال ابن كثير: «كان عابداً زاهداً»(13).
وذكر كثيرون منهم إشخاص المتوكّل إيّاه من المدينة المنورة إلى العراق، إلاّ أنّهم ـ مع تصريحهم بنصب المتوكّل ـ يحاولون التغطية على قبائحه وستر مظالمه، فلا يذكرون تفصيل القضايا، ففي تاريخ اليعقوبي: «وكتب المتوكّل إلى علي بن محمّد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر ابن محمّد في الشخوص من المدينة، وكان عبد اللّه بن محمّد بن داود الهاشمي قد كتب يذكر أنّ قوماً يقولون إنّه الإمام، فشخص عن المدينة، وشخص يحيى بن هرثمة معه، حتّى صار إلى بغداد، فلمّا كان بموضع يقال له الياسريّة نزل هناك. وركب اسحاق بن إبراهيم لتلقيّه فرأى تشوّق الناس إليه واجتماعهم لرؤيته، فأقام إلى الليل، ودخل به الليل فأقام ببغداد بعض تلك الليلة، ثمّ نفذ إلى سرّ من رأى»(14)، وقد وجدت الخبر كما شرحه العلاّمة (رحمه الله)، في كتاب (تذكرة خواص الأُمّة) وصاحبه حنفي المذهب ومن المتقدّمين عليه، فإنّه قال: «قال علماء السير: وانّما أشخصه المتوكّل من مدينة رسول اللّه إلى بغداد، لأنّ المتوكّل كان يبغض عليّاً وذريّته، فبلغه مقام علي بالمدينة وميل الناس إليه، فخاف منه، فدعى يحيى بن هرثمة وقال: إذهب إلى المدينة، وانظر في حاله وأشخصه إلينا. قال يحيى: فذهبت إلى المدينة، فلمّا دخلتها ضجّ أهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله، خوفاً على علي، وقامت الدنيا على ساق، لأنّه كان محسناً إليهم ملازماً للمسجد، لم يكن عنده ميل إلى الدنيا. قال يحيى: فجعلت أسكنّهم وأحلف لهم أنّي لم أُؤمر فيه بمكروه وأنّه لا بأس عليه. ثمّ فتّشت منزله فلم أجد فيه إلاّ مصاحف وأدعية وكتب العلم، فعظم في عيني وتولّيت خدمته بنفسي وأحسنت عشرته.
فلمّا قدمت به بغداد بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاهري ـ وكان والياً على بغداد ـ فقال لي: يا يحيى إنّ هذا الرجل قد ولّده رسول اللّه، والمتوكّل من تعلم، فإن حرّضته عليه قتله، وكان رسول اللّه خصمك يوم القيامة، فقلت له: واللّه ما وقفت منه إلاّ على كلّ أمر جميل.
ثمّ صرت به إلى سرّ من رأى فبدأت بوصيف التركي، فأخبرته بوصوله، فقال: واللّه لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك. فعجبت كيف وافق قوله قول اسحاق. فلمّا دخلت على المتوكّل سألني عنه، فأخبرته بحسن سيرته وسلامة طريقته وورعه وزهادته، وأنّي فتّشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم، وأنّ أهل المدينة خافوا عليه. فأكرمه المتوكّل وأحسن جائزته وأجزل برّه وأنزله معه سرّ من رأى»(15).
(ثمّ مرض المتوكّل فنذر إن عوفي تصدّق بدراهم كثيرة، فسأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم جواباً، فبعث إلى علي الهادي عليه السلام…)
قال الخطيب البغدادي الحافظ: «أخبرني الأزهري، حدّثنا أبو أحمد عبيد اللّه بن محمّد المقرئ، حدّثنا محمّد بن يحيى النديم، حدّثنا الحسين بن يحيى قال: اعتلّ المتوكّل في أوّل خلافته فقال: لئن برئت لاتصدّقنّ بدنانير كثيرة، فلمّا برئ جمع الفقهاء فسألهم عن ذلك، فاختلفوا، فبعث إلى علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر فسأله. فقال: يتصدّق بثلاث وثمانين ديناراً. فعجب قوم من ذلك وتعصّب قوم عليه، وقالوا: تسأله ـ يا أمير المؤمنين ـ من أين له هذا؟ فردّ الرسول إليه فقال له: قل لأمير المؤمنين: في هذا الوفاء بالنذر، لأنّ اللّه تعالى قال (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَة). فروى أهلنا جميعاً أنّ المواطن في الوقائع والسّرايا والغزوات كانت ثلاثة وثمانين موطناً، وأنّ يوم حنين كان الرابع والثمانين. وكلّما زاد أمير المؤمنين من فضل الخير كان أنفع له، وأُجر عليه في الدنيا والآخرة»(16).
ورواه الحافظ ابن الجوزي عن أبي منصور القزاز عن الخطيب بإسناده كذلك(17).
ورواه الصفدي بترجمته عليه السلام كذلك(18).
(قال المسعودي: نُمي إلى المتوكّل بعليّ بن محمّد عليه السلام . . . فبكى المتوكّل حتّى بلت دموعه لحيته)
هذا الخبر مذكور في كثير من الكتب: كمروج الذهب، وعنه الحافظ سبط ابن الجوزي في التذكرة، ووفيات الأعيان، وقد أرسله إرسال المسلَّم. وكذلك هو في الوافي بالوفيات 22 / 72 والأئمّة الإثنا عشر لابن طولون 107، والبداية والنهاية لابن كثير 16 / 15، والمختصر في أخبار البشر 4 / 44، ورواه المتأخّرون كصاحب الإتحاف بحب الأشراف 200 قال: قال بعض الثقات… .
(1) تاريخ بغداد 12 / 56.
(2) تذكرة خواص الأُمّة: 359.
(3) وفيات الأعيان 2 / 435.
(4) الصواعق المحرقة: 124.
(5) الطبري 9 / 185، ابن الأثير 7 / 55، ابن كثير 10 / 315، تاريخ الخلفاء: 347، النجوم الزاهرة 2 / 235 وغيرها.
(6) سير أعلام النبلاء 12 / 35.
(7) الكامل في التاريخ 7 / 55.
(8) سير أعلام النبلاء 12 / 31 عن بعضهم.
(9) تاريخ الخلفاء: 352.
(10) تاريخ الخلفاء: 349.
(11) مرآة الجنان 2 / 160.
(12) شذرات الذهب 2 / 128.
(13) البداية والنهاية 11 / 15.
(14) تاريخ اليعقوبي 2 / 484.
(15) تذكرة خواص الأُمّة 359 ـ 360.
(16) تاريخ بغداد 12 / 56.
(17) المنتظم في تاريخ الملوك والأُمم 12 / 74.
(18) الوافي بالوفيات 22 / 73.