هو ربّاهم و علّمهم
يقول عليه السّلام:
«أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب، وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر، وقد علمتم موضعي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولد، يضمّني إلى صدره ويكنفني في فراشه، ويمسّني جسده، ويشمّني عرفه، وكان يمضغ الشيء ثمّ يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول، ولا خطلة في فعل.
ولقد قرن اللّه به صلّى اللّه عليه وآله من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره.
ولقد كنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثَرَ أُمّه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالإقتداء به.
ولقد كان يجاور في كلّ سنة بحِراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة وأشمّ ريح النبوّة.
ولقد سمعت رنّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلّى اللّه عليه وآله، فقلت: يا رسول اللّه ما هذه الرنّة؟ فقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، إلاّ أنّك لست بنبيّ، ولكنّك لوزير، وإنّك لَعَلى خير.
… وإنّي لمن قوم لا تأخذهم في اللّه لومة لائم، سيماهم سيما الصدّيقين، وكلامهم كلام الأبرار، عمّار الليل ومنار النهار، مستمسكون بحبل اللّه، يحيون سنن اللّه وسنن رسوله، لا يستكبرون ولا يعلون، ولا يغلون ولا يفسدون، قلوبهم في الجنان وأجسادهم في العمل»(1).
(1) نهج البلاغة: 300 ـ 301.