هم الأئمة من بعده
يركّز الإمام عليه السّلام في هذا الكلام على نقطة مهمة جداً وهي:
إنّ من يقوم مقام النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في شؤون الرسالة، لابدّ أن يكون أفضل المتخرّجين عليه والمتأدّبين منه، ويؤكّد على أنّه هو الواجد لهذه المواصفات والحائز لتلك المقامات، وإنّه ما من علم علمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأذن في تعليمه، وما من خلق وأدب كان الرسول عليه إلاّ وقد أخذه منه، حتى تأهّل لأن يسمع ما كان يسمع ويرى ما كان يرى، ولولا ختم النبوّة بمحمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لكان هو النبيّ من بعده، ولذا استثنى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم النبوة قائلا له: «إلاّ أنّك لست بنبيّ، ولكنّك لوزير».
وفي قوله: «ولكنك لوزير» إشارة إلى قوله عزّوجلّ حكاية عن موسى: (وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي)(1).
وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم له عليه السّلام:
«أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي»(2).
ثم إنّه أشار إلى طرف من صفات أهل البيت المعنوية التي خصّهم اللّه عزّوجلّ بها، قائلا: «وإنّي لمن قوم لا تأخذهم…». وفي هذا الكلام إشارة إلى منازل لهم عليهم السلام لا يدركها عقل الإنسان العادي، كقوله: «قلوبهم في الجنان وأجسادهم في العمل».
وإنّ من أشرف الأشياء التي أخذوها من النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأعلاها: علومه ومعارفه وأسراره، وهذا ممّا كرّر الإمام ذكره وأعلن به فخره، يقول عليه السّلام:
(1) سورة طه: الآية 29.
(2) هذا هو حديث المنزلة المتواتر المتّفق عليه، وقد أخرجه جميع أصحاب الصحاح والمسانيد والسنن والمعاجم وسائر المحدّثين في جميع القرون، وهو من أمتن الأدلّة على إمامة علي بعد النبي بلا فصل وهو يشكّل حلقةً في هذه السلسلة.