معصومون من الخطأ في جميع الأحوال
والعصمة اُولى الصفات المعتبرة في كلّ نبي وإمام، ويدلّ على ذلك أدلّة كثيرة من الكتاب والسنّة والعقل، ومن أوضح آيات الكتاب دلالة قوله تعالى: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)(1)حتى اعترف بذلك الفخر الرازي وغيره من المشكّكين، إذ لا تجوز إطاعة من يجوز عليه الخطأ إطاعة مطلقة.
ولأمير المؤمنين عليه السّلام كلام في حقّ «أهل البيت»، يأمر الاُمّة فيه باتّباعهم وإطاعتهم في جميع الأحوال، يقول:
«اُنظروا أهل بيت نبيّكم، فالزموا سمتهم واتّبعوا أثرهم، فلن يخرجوكم من هُدى ولن يعيدوكم في ردى، فإن لبدوا فالبُدوا، وإن نهضوا فانهضوا، ولا تسبقوهم فتضلّوا، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا»(2).
وكيف لا يكونون معصومين و«قلوبهم في الجنّة» كما أخبر أمير المؤمنين؟ وهل القلب الذي في الجنة يخطر فيه المعصية فضلاً على أنْ يعزم؟ وهل يسهو أو ينسى أو يتوهّم؟
وهل ذلك إلاّ العصمة المستلزمة للإمامة؟
ولقد أوصى النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عمّاراً بمثل ما أوصى به أمير المؤمنين الاُمّة في كلامه السّابق، إذ أمره باتّباع علي عليه السّلام من بعده، في جميع الحوادث، وعلى كلّ الأحوال:
روى جماعة من الأعلام عن علقمة بن قيس والأسود بن يزيد، قالا: «أتينا أبا أيّوب الأنصاري عند منصرفه من صِفِّين، فقلنا له: يا أبا أيّوب، إنّ اللّه أكرمك بنزول محمّد صلّى اللّه عليه وآله في بيتك، وبمجيء ناقته، تفضّلا من اللّه تعالى وإكراماً لك، حتى أناخت ببابك دون الناس جميعاً، ثم جئت بسيفك على عاتقك تضرب به أهل لا إله إلاّ اللّه؟!
فقال: يا هذا، إنّ الرائد لا يكذب أهله، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أمرنا بقتال ثلاثة مع علي رضي اللّه عنه; بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فأمّا الناكثون فقد قاتلناهم، وهم أهل الجمل وطلحة والزبير، وأمّا القاسطون فهذا منصرفنا من عندهم ـ يعني معاوية وعمرو بن العاص ـ ، وأمّا المارقون فهم أهل الطرفاوات وأهل السعيفات وأهل النخيلات وأهل النهروانات، واللّه ما أدري أين هم؟ ولكن لابدّ من قتالهم إن شاء اللّه تعالى.
ثمّ قال: وسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول لعمّار: يا عمّار تقتلك الفئة الباغية، وأنت إذ ذاك مع الحقّ والحقّ معك.
يا عمّار بن ياسر، إن رأيت عليّاً قد سلك وادياً وسلك الناس كلّهم وادياً غيره، فاسلك مع علي فإنّه لن يدليك في ردى، ولن يخرجك من هدى.
يا عمّار، من تقلّد سيفاً وأعان به عليّاً ـ رضي اللّه عنه ـ على عدوّه قلّده اللّه يوم القيامة وشاحين من درّ، ومن تقلّد سيفاً أعان به عدوّ علي ـ رضي اللّه عنه ـ قلّده اللّه يوم القيامة وشاحين من نار.
قلنا: يا هذا، حسبك رحمك اللّه! حسبك رحمك اللّه!»(3).
(1) سورة النساء : الآية 62 .
(2) نهج البلاغة: 143.
(3) تاريخ بغداد 13 / 186 ـ 187، فرائد السمطين 1 / 178، كنز العمال 12 / 212، مناقب الخوارزمي: 75 / 124، وغيرها، واللفظ للأول.