قيامهم بواجب الإمامة
ثمّ إنّ أئمة أهل البيت قاموا بواجب الإمامة ـ وهو حفظ الدين ورعايته وتعليمه والدعوة إليه ـ خير قيام، قال عليه السّلام:
«بنا اهتديتم في الظلماء، وتسنّمتم ذروة العلياء، وبنا أفجرتم عن السرار»(1)، أي: خرجتم عن ظلمة الجهل والغواية إلى نور العلم والهداية.
وهذا معنى كلامه الآخر: «بنا يستعطى الهدى ويستجلى العمى»(2).
وروى الكليني في قوله عزّوجل: (وَمِمَّنْ خَلَقْنا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ)(3). قال: «هم الأئمة صلوات اللّه عليهم»(4).
وعن أبي عبداللّه: «قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: إنّ عند كلّ بدعة تكون من بعدي يُكاد بها الإيمان وليّاً من أهل بيتي موكلا به، يذبّ عنه، وينطق بإلهام من اللّه، ويعلن الحق وينوره، ويردّ كيد الكائدين…»(5).
وكم لهذا المعنى من مصداق!!
وما زال المتقمّصون للخلافة والمستولون على شؤون المسلمين يراجعون أئمة أهل البيت في معضلاتهم، قال الحافظ النووي في ترجمة أمير المؤمنين عليه السّلام:
«وسؤال كبار الصحابة له، ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات، مشهور»(6).
وكذا قال أعلامهم في ترجمة غيره من أئمة أهل البيت، وما زالوا سلام اللّه عليهم:
«ينفون عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وشبهات الكفار والملحدين».
فتلك احتجاجاتهم مع المخالفين، ومواقفهم المشرّفة في حفظ الدين، مدوّنة في كتب المحدّثين والمؤرخين.
وقد ذكر جماعة منهم ابن حجر المكي في صواعقه في ترجمة الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه السّلام إنه:
لمّا حبسه المعتمد ابن المتوكل وقع قحط شديد، فخرج المسلمون للإستسقاء ثلاثة أيام فلم يستسقوا، فخرج النصارى ومعهم راهب، فلمّا مدّ يده إلى السماء غيّمت، فأمطرت في اليوم الأوّل، ثم في اليوم الثاني كذلك، فشك بعض جهلة المسلمين وارتدّ بعضهم، فشقّ ذلك على المعتمد، فأمر بإحضار الحسن العسكري وقال له: أدرك اُمة جدّك صلّى اللّه عليه وآله قبل أن يهلكوا. فقال الحسن في إطلاق أصحابه من السجن، فأطلق كلّهم له، فلما رفع الراهب يده مع النصارى غيّمت السماء، فأمر الحسن رضي اللّه عنه رجلا بالقبض بما في يد الراهب، فإذا عظم آدمي في يده، فأخذه من يده وقال: استسق، فرفع يده إلى السماء فزال الغيم، وظهرت الشمس، فعجب الناس من ذلك.
فقال المعتمد: ما هذا يا أبا محمّد؟
فقال: هذا عظم نبي قد ظفر به هذا الراهب، وما كشف عظم نبي تحت السماء إلاّ هطلت بالمطر.
وزالت الشبهة عن الناس ورجع الحسن إلى داره(7).
هذا شأن «أهل البيت» وهذه منزلتهم، يقول أمير المؤمنين عليه السلام، ـ ونقول معه لأهل الإسلام ـ :
«فأين تذهبون! وأنّى تؤفكون! والأعلام قائمة، والآيات واضحة، والمنار منصوبة.
فأين يتاه بكم وكيف تعمهون!! وبينكم عترة نبيّكم، وهم أزمّة الحق، وأعلام الدين، وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن، وردوهم ورود الهيم العطاش…، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر وأترك فيكم الثقل الأصغر؟»(8).
(1) نهج البلاغة: 51.
(2) المصدر: 201.
(3) سورة الأعراف: الآية 181.
(4) الصافي في تفسير الميزان: 309.
(5) الكافي 1 / 54.
(6) تهذيب الأسماء واللغات ـ ترجمة أمير المؤمنين علي عليه السّلام 1 / 346.
(7) الصواعق المحرقة 2 / 600.
(8) مسند أحمد 3 / 14.