علمهم بكلّ ما أنزل اللّه
والمراد من «كتبه» هي الكتب السماوية إن كان مرجع الضمير «اللّه» والقرآن والسنّة وغيرهما من آثار النبيّ إن كان المرجع «النبيّ».
أمّا علم القرآن فهم أهله والمرجع فيه، ومنهم اُخذ وعنهم انتشر، وناهيك بعبداللّه بن العبّاس ونظرائه، الَّذين إليهم تنتهي علوم القرآن، وهم تلاميذ أمير المؤمنين.
وأما الكتب السماوية فالأخبار عنهم في كونها عندهم كثيرة، روى بعضها الشيخ الكليني في الكافي(1) وقد قال أمير المؤمنين عليه السّلام:
«سلوني قبل أن تفقدوني، فأنا عيبة رسول اللّه، وأنا فقأت عين الفتنة بباطنها وظاهرها، سلوا مَن عنده علم المنايا والبلايا والوصايا وفصل الخطاب، سلوني فأنا يعسوب المؤمنين حقاً، وما من فئة تهدي مائة أو تضلّ مائة إلاّ وقد أتيت بقائدها وسائقها، والذي نفسي بيده لوطوى لي الوسادة فأجلس عليها لقضيت بين أهل التوراة بتوراتهم، ولأهل الإنجيل بإنجيلهم، ولأهل الزبور بزبورهم، ولأهل الفرقان بفرقانهم.
فقام ابن الكوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام وهو يخطب الناس فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن نفسك، فقال: ويلك، أتريد أن اُزكّي نفسي وقد نهى اللّه عن ذلك؟! مع أنّي كنت إذا سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أعطاني، وإذا سكت ابتدأني، وبين الجوانح منّي علم جمّ، ونحن أهل البيت لا نقاس بأحد»(2).
والمراد من «جبال دينه» هو بقاء الدين ببقائهم. كما سيأتي. ويقول: «هم عيش العلم وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وظاهرهم عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يُخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه، وهم دعائم الإسلام وولائج الإعتصام، بهم عاد الحقّ إلى نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل»(3).
وفي قوله: «لا يخالفون الحقّ ولا يختلفون فيه» أشار إلى حجّيّة قول الواحد منهم فكيف بإجماعهم!! وفي الخبر عن أبي الحسن عليه السّلام: «نحن في العلم والشجاعة سواء»(4).
وفيه عن أبي عبداللّه عليه السّلام أنّ النبي وأمير المؤمنين وذرّيته الأئمة «حجّتهم واحدة وطاعتهم واحدة»(5).
وفيه عنه: «نحن في الأمر والفهم والحلال والحرام نجري مجرى واحداً، فأمّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وعلي فلهما فضلهما»(6).
ويقول عليه السّلام:
«نحن شجرة النبوّة، ومحطّ الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم»(7).
وبهذا أخبار رواها الشيخ الكليني رحمة اللّه عليه في الكافي عن أئمة أهل البيت(8).
ويقول عليه السّلام:
«تاللّه لقد عُلِّمت تبليغ الرسالات، وإتمام العدات، وتمام الكلمات، وعندنا ـ أهل البيت ـ أبواب الحكم وضياء الأمر»(9).
أي: علّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله، فإنَّ من كان أساساً للدين ووعاء للعلوم، لابدّ وأن يعرف كيفيّة حفظ الدين وتبليغه، وطريق نشر العلم وتعليمه، فإنّ ذلك يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والاُمم والأشخاص، فليس لأحد أن يعترض عليه في فعل أو ترك، أو قول، أو سكوت وصمت.
وعلّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله حقائق العدات التي كانت بين اللّه عزّوجلّ وسفرائه الكرام إلى العباد، وكيفيّة إنجازها وإتمامها، أو علّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله العدات التي وعدها للناس وكيفية إنجازها من بعده، لكونه وصيّه ومنجز وعده، كما في الأحاديث عند الفريقين.
وعلّمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله الكلمات التي كانت بين اللّه تعالى ورسله وتمامها (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلا لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ)(10). ولعلّها أشياء غير الكتب السماوية والصحف الإلهيّة.
قال: وعندنا أهل البيت أبواب الحكم وضياء الأمر.
و«الحكم» إمّا بضم الحاء وسكون الكاف وهو القضاء، فلأهل البيت في أحكامهم هداية ربّانية قد لا تحصل إلاّ للمعصومين مثلهم، قال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ)(11) أو المراد مطلق الأحكام; وإمّا بكسرها وفتح الكاف، وهو جمع الحكمة.
و«الأمر» الولاية والخلافة، أو الأحكام، أو مطلق الاُمور فإنّهم عالمون بها بإذن اللّه.
(1) الكافي 1 / 223، 227.
(2) شرح نهج البلاغة للخوئي 2 / 325.
(3) نهج البلاغة: 357.
(4) الكافي 1 / 275.
(5) المصدر 1 / 275.
(6) المصدر 1 / 275.
(7) نهج البلاغة: 162.
(8) الكافي 1 / 221.
(9) نهج البلاغة: 176.
(10) سورة الأنعام: الآية 115.
(11) سورة النساء: الآية 106.