إنّهم صنائع ربّنا و الناس صنائع لهم
ويقول عليه السّلام في كتاب له إلى معاوية:
«إنّ قوماً استشهدوا في سبيل اللّه تعالى من المهاجرين والأنصار ـ ولكلّ فضل ـ ، حتى إذا استشهد شهيدنا، قيل سيد الشهداء، وخصّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه، أَوَلاترى أنّ قوماً قُطعت أيديهم في سبيل اللّه ـ ولكلّ فضل ـ حتى إذا فعل بواحدنا ما فعل بواحدهم، قيل: الطيّار في الجّنة وذوالجناحين.
ولولا ما نهى اللّه عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمّة، تعرفها قلوب المؤمنين، ولا تمجّها آذان السامعين، فدع عنك من مالت به الرمية.
فإنّا صنائع ربّنا والناس بعد صنائع لنا.
لم يمنعنا قديم عزّنا ولا عادي طولنا على قومك أن خلطناكم بأنفسنا، فنكحنا وأنكحنا، فعل الأكفاء، ولستم هناك… .
فنحن مرّة أولى بالقرابة، وتارة أولى بالطاعة.
ولما احتجّ المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فلجوا عليهم، فإن يكن الفلج به، فالحقّ لنا دونكم، وإن يكن بغيره فالأنصار على دعواهم»(1).
وقد اشتمل هذا الكتاب ـ فيما اشتمل من الفضل لأهل البيت ـ على جملة معناها عظيم، وتحتها سرّ جليل، قال عليه السّلام: «إنّا صنائع ربنا والناسُ بعد صنائع لنا».
وقد وردت هذه الجملة في كتاب لوليّ العصر والإمام الثاني عشر ـ عجّل اللّه تعالى فرجه ـ إلى الشيعة قال عليه السّلام: «بسم اللّه الرحمن الرحيم، عافانا اللّه وإياكم من الفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإيّاكم من سوء المنقلب.
إنّه اُنهي إليّ ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشكّ والحيرة في ولاة أمرهم، فغمّنا ذلك لكم لا لنا، وساءنا فيكم لا فينا، لأنّ اللّه معنا، فلا فاقة بنا إلى غيره، والحقّ معنا فلن يوحشنا من قعد عنّا، ونحن صنائع ربّنا، والخلق بعد صنائعنا.
يا هؤلاء، ما لكم في الريب تتردّدون، وفي الحيرة تنعكسون، أوما سمعتم اللّه يقول: (يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا أَطيعُوا اللّهَ وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي اْلأَمْرِ مِنْكُمْ)؟! أوَ ما علمتم ما جاءت به الآثار ممّا يكون ويحدث في أئمّتكم، على الماضين والباقين منهم السلام؟!
أوَما رأيتم كيف جعل اللّه لكم معاقل تأوون إليها وأعلاماً تهتدون بها، منم لدن آدم عليه السّلام إلى أن ظهر الماضي عليه السّلام؟! كلّما غاب علم بداعلم، وإذا أفل نجم طلع نجم»(2).
وصنيعة الملك من يصطنعه الملك لنفسه ويرفع قدره.
فيقول عليه السّلام:
ليس لأحد من البشر علينا نعمة، بل اللّه عزّوجلّ هو المنعم علينا، فليس بيننا وبينه واسطة في شيء من نعمه، ولكنّ الناس كلّهم وعلى جميع طبقاتهم صنائع لنا، فنحن الواسطة بينهم وبين اللّه ونحن المنعمون لهم، ونحن عبيداللّه والناس عبيد لنا.
وإلى هذا المعنى أشار بقوله: «ولا يسوّى بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً».
وروى الكليني: «إن اللّه خلقنا فأحسن خلقنا، وصوّرنا فأحسن صورنا، وجعلنا عينه في عباده، ولسانه الناطق في خلقه، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة، ووجهه الذي يؤتى منه، وبابه الذي يدلّ عليه، وخزّانه في سمائه وأرضه، بنا أثمرت الأشجار وأينعت الثمار وجرت الأنهار، وبنا ينزل غيث السماء ونبت عشب الأرض، وبعبادتنا عُبد اللّه، ولولا نحن ما عُبداللّه»(3).
وخلاصة الكلام: إنّ أئمة أهل البيت نعمة اللّه على الخلق، وبهم فسّرت النعمة في قوله عزّوجلّ: (يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا)(4)و«النعيم» في قوله: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذ عَنِ النَّعِيمِ)(5)، وهم الوسائط بين اللّه والموجودات في الخلق والإيجاد والعلم والرزق، وسائر الفيوضات النازلة والنعم الواصلة.
فاللّه هو الفاعل الذي منه الوجود، والإمام هو الفاعل الذي به الوجود، وهذه هي الولاية الكلّيّة.
فهل يقاس بآل محمّد من هذه الاُمّة أحد؟! وهل يُسوّى بهم أحد من الخلائق؟!
(1) نهج البلاغة: 386.
(2) الإحتجاج 2 / 277، بحار الأنوار 53 / 178.
(3) الكافي 1 / 144.
(4) سورة النحل: الآية 85 ، أنظر: الصافي في تفسير القرآن: 303.
(5) سورة التكاثر: الآية 8 ، أنظر: الصافي في تفسير القرآن: 573.