(6) دلالته على أن الإمام أول من يقاتل أهل البغي
وممّا يدلّ عليه حديث مدينة العلم ما ذكره الكنجي من أنّ أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام أوّل من يقاتل أهل البغي بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. وهذا الوجه أيضاً يقتضي أفضليّة الامام عليه السلام من سائر الأصحاب، وصحّة الاستدلال به على مطلوب أهل الحق… وهذا نصّ كلام الحافظ الكنجي:
«قلت ـ والله أعلم ـ : إنّ وجه هذا عندي أنّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها، أراد صلّى الله عليه وسلّم أن الله تعالى علّمني العلم وأمرني بدعاء الخلق إلى الإقرار بوحدانيّته في أوّل النّبوة، حتى مضى شطر زمان الرسالة على ذلك، ثم أمرني الله بمحاربة من أبى الإقرار لله عزّ وجلّ. بالوحدانيّة بعد منعه من ذلك، فأنا مدينة العلم في الأوامر والنواهي وفي السلم والحرب، حتى جاهدت المشركين، وعلي بن أبي طالب بابها، أي: هو أوّل من يقاتل أهل البغي بعدي من أهل بيتي وسائر أمتي، ولولا أنّ علياً بيّن الناس قتال أهل البغي، وشرع الحكم في قتلهم وإطلاق الأسارى منهم وتحريم سلب أموالهم وسبي ذراريهم، لما عرف ذلك، فالنبي صلّى الله عليه وسلّم سنّ في قتال المشركين ونهب أموالهم وسبي ذراريهم، وسنّ عليّ في قتال أهل البغي أن لا يجهز على جريح ولا يقتل الأسير ولاتسبى النساء والذريّة ولاتؤخذ أموالهم، وهذا وجه حسن صحيح.
ومع هذا، فقد قال العلماء من الصّحابة والتابعين وأهل بيته بتفضيل علي، وزيادة علمه، وغزارته، وحدّة فهمه ووفور حكمته، وحسن قضاياه وصحّة فتاواه، وقد كان أبو بكر وعمر وعثمان وغيرهم من علماء الصّحابة يشاورونه في الأحكام، ويأخذون بقوله في النقض والإبرام، اعترافاً منهم بعلمه ووفور فضله ورجاحة عقله وصحة حكمه، وليس هذا الحديث في حقّه بكثير، لأنّ رتبته عند الله عزّ وجلّ وعند رسوله وعند المؤمنين من عباد الله أجلّ وأعلى من ذلك».(1)
(1) كفاية الطالب: 222.