الكلام على رأى الجزري
وأمّا نسبة القدح في حديث مدينة العلم إلى شمس الدين الجزري، فكذب فاضح وفرية واضحة.
فلقد روى الجزري حديث أنا مدينة العلم في كتابه (أسنى المطالب في مناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) وبالغ في إثباته وتحقيقه، وهذه عبارته فيه بلفظها:
«أخبرنا الحسن بن أحمد بن هلال ـ قراءة عليه ـ عن علي بن أحمد ابن عبد الواحد، أخبرنا احمد بن محمد بن محمد ـ في كتابه من أصبهان ـ أخبرنا الحسن بن أحمد بن الحسن المقرئ، أخبرنا أحمد بن عبد الله بن أحمد الحافظ، أخبرنا أبو أحمد محمد بن أحمد الجرجاني، أخبرنا الحسن بن سفيان، أخبرنا عبد الحميد بن بحر، أخبرنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن الصنابحي، عن علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنا دار الحكمة وعلي بابها. رواه الترمذي في جامعه عن إسماعيل بن موسى، حدّثنا محمد بن عمر الرومي، حدثنا شريك، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي عن علي وقال:
حديث غريب، ورواه بعضهم عن شريك ولم يذكروا فيه عن الصنابحي، قال:
ولا نعرف هذا الحديث عن واحد من الثقات غير شريك، وفي الباب عن ابن عباس. انتهى.
قلت: ورواه بعضهم عن شريك عن سلمة ولم يذكر فيه عن سويد، ورواه الأصبغ بن نباتة والحارث عن علي نحوه، ورواه الحاكم من طريق مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلّى الله عليه وسلّم ولفظه: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأتها من بابها.
وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه أيضا من حديث جابر بن عبد الله ولفظه: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب».(1)
هذا، وقد قال الجزري في صدر كتابه المذكور: «وبعد، فهذه أحاديث مسندة ممّا تواتر وصحّ وحسن من أسنى مناقب الأسد ]اسد الله[ الغالب، مفرّق الكتائب ومظهر العجائب، ليث بني غالب أمير المؤمنين أبي الحسن علي بن أبي طالب ـ كرّم الله تعالى وجهه ورضي عنه وأرضاه ـ أردفتها بمسلسلات من حديثه وبمتّصلات من روايته وتحديثه، وبأعلى إسناد صحيح إليه، من القرآن والصحبة والخرقة التي اعتمد فيها أهل الولاية عليه، نسأل الله تعالى أن يثيبنا على ذلك ويقرّبنا لديه».
وقال بعد إيراد أحاديث المناقب التي أشار إليها «قلت: فهذا نزر من بحر، وقل من كثر، بالنسبة إلى مناقبه الجليلة ومحاسنه الجميلة، ولو ذهبنا لاستقصاء ذلك بحقّه لطال الكلام بالنسبة إلى هذا المقام، ولكن نرجو من الله تعالى أن ييسّر إفراد ذلك بكتاب نستوعب فيه ما بلغنا من ذلك، والله الموفق للصّواب».
(1) أسنى المطالب: 69.