الفائدة 10: في زيادة توضيح لثبوت الحديث
ويزيد ثبوت حديث مدينة العلم وقطعيّة صدوره عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وضوحاً وجوه:
الأول:
إنه من حديث أمير المؤمنين عليه السلام، وقد قامت البراهين الواضحة والأدلة القويمة على عصمته عليه الصلاة والسلام، بل اعترف بعصمته الشاه ولي الله وعبدالعزيز الدهلوي، كما صرح ولده عبدالعزيز بصدقه عليه السلام بإجماع أهل السنة… فلا محيص من الاعتراف بقطعية صدوره.
الثاني:
إنه من حديث سيدنا الامام الحسن عليه السلام. ولا ريب في عصمته بالأدلة العامة والخاصة، فلا ريب في قطعية صدوره.
الثالث:
إنه من حديث سيدنا الامام الحسين عليه السلام. ولا ريب في عصمته كذلك، فالحديث قطعي الصدور.
الرابع:
أنه من حديث سيدنا الامام زين العابدين عليه السلام. ولا ريب في عصمته كذلك، فالحديث قطعي الصدور.
الخامس:
إنه من حديث سيدنا الامام الباقر عليه السلام. ولا ريب في عصمته كذلك، فالحديث قطعي الصدور.
السادس:
إنه من حديث سيدنا الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام، وهو لا ريب في عصمته، فالحديث قطعي الصدور.
السابع:
إنه من حديث سيدنا الامام موسى الكاظم عليه السلام، ولا ريب في عصمته كآبائه الطاهرين، فالحديث قطعي الصدور.
الثامن:
إنه من حديث سيدنا الامام الرضا عليه السلام وهو لا ريب في عصمته، فالحديث قطعي الصدور.
التاسع:
لقد جعل الشيخ عبدالعزيز الدهلوي في (التحفة) حديث «لا نورث…» ـ الموضوع ـ كالقرآن الكريم في إفادة اليقين، بزعم أنه من حديث أمير المؤمنين علي عليه السلام.
وإن حديث مدينة العلم من حديثه عليه الصلاة والسلام كما علمت، فهو كالقرآن الكريم في القطعية على ضوء كلام الدهلوي.
العاشر:
لقد جعل عبدالعزيز الدهلوي الحديث الموضوع المذكور مفيداً لليقين كالقرآن المبين لكونه ـ بزعمه ـ من حديث حذيفة.
وقد علمت أن حذيفة من رواة حديث مدينة العلم، فهذا الحديث يساوي آي القرآن العظيم في إفادة اليقين.
الحادي عشر:
لقد جعل الدهلوي المذكور الحديث الموضوع المذكور مفيداً لليقين، لأنه من حديث كلّ من الزبير وأبي الدرداء وأبي هريرة والعباس وعبد الرحمن بن عوف وسعد.
فحديث مدينة العلم كذلك، لأنه من حديث عشرة من الصحابة كما عرفت.
فظهر قطعية صدور حديث مدينة العلم على ضوء كلمات صاحب كتاب التحفة الاثنى عشرية.
الثاني عشر:
لقد ذكر الحافظ القاضي عياض ما نصه «… وكذلك قصة نبع الماء وتكثير الطعام رواها الثقات والعدد الكثير عن الجماء الغفير عن العدد الكثير من الصحابة… فهذا النوع كله مما يلحق بالقطعي من معجزاته…»(1)
قلت: فكذلك حديث مدينة العلم، رواه الثقات والعدد الكثير من الأئمة عن العدد الكثير من الصحابة، فهو قطعي أيضاً.
الثالث عشر:
لقد قال القاضي عياض في كلامه السابق «ومنها ما رواه الكافة عن الكافة، متصلاً عمن حدّث بها من جملة الصحابة وأخبارهم، أن ذلك كان في مواطن اجتماع الكثير منهم في يوم الخندق وفي غزوة بواط وعمرة الحديبية وغزوة تبوك وأمثالها من محافل المسلمين ومجمع العساكر، ولم يؤثر عن أحد من الصحابة مخالفة للراوي فيما حكاه ولا إنكار لما ذكر عنهم أنهم رووه كما رواه، فسكوت الساكت منهم كنطق الناطق، إذ هم المنزهون عن السكوت على باطل والمداهنة في كذب، وليس هناك رغبة ولا رهبة تمنعهم، ولو كان ما سمعوه منكراً عندهم غير معروف لديهم أنكروا كما أنكر بعضهم على بعض أشياء رووها من السنن والسير وحروف القرآن، وخطّأ بعضهم بعضاً ووهّمه في ذلك مما هو معلوم، فهذا النوع كلّه مما يلحق بالقطعي من معجزاته لما بيّناه…»(2)
هذا كلامه، وعلى هذا الأساس نقول: إن أكثر فضائل أمير المؤمنين عليه السلام قطعي، ولا سيما حديث مدينة العلم لما سيجيء ـ في روايات الأعلام ـ من حديث جابر من أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم قال ذلك في غزوة الحديبية، ولم يؤثر عن أحد من الصحابة مخالفة لجابر فيما حكاه في الباب.
بل يظهر من عبارة الزرندي إجماعهم على الاعتراف بذلك، فقد قال هي فضيلة «اعترف بها الأصحاب وابتهجوا، وسلكوا طريق الوفاق وانتهجوا» وقد نقل شهاب الدين أحمد هذا الكلام عنه في (توضيح الدلائل). فإذن كلّهم معترفون بهذه الفضيلة وناطقون بها، وليس هناك رغبة ولارهبة تمنعهم، بل كان الأمر ـ بالنسبة إلى فضائل الامام عليه السلام ـ بالعكس، فقد كانت دواعي الكتم والإخفاء في أكثرهم موجودة.
الرابع عشر:
قال القاضي بعد كلامه السابق: «وأيضاً، فإن أمثال الأخبار التي لا أصل لها وبنيت على باطل، لا بدّ مع مرور الأزمان وتداول الناس وأهل البحث من انكشاف ضعفها وخمول ذكرها، كما يشاهد في كثير من الأخبار الكاذبة والأراجيف الطارية.
وأعلام نبينا صلّى الله عليه وآله وسلّم هذه الواردة من الطريق الآحاد لا تزداد مع مرور الزمان إلاّ ظهوراً، ومع تداول الفرق وكثرة طعن العدو وحرصه على توهينها وتضعيف أصلها واجتهاد الملحد على إطفاء نورها إلاّ قوة وقبولاً، وللطاعن عليها إلاّ حسرة وغليلا…»(3)
أقول: وهذا البيان بحذافيره جار في باب فضائل أمير المؤمنين عليه السلام كما هو الواقع ـ وهو يكفي برهاناً على صحتها وقطعية صدورها عن النبي الكريم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
الخامس عشر:
لقد اشتغل كبار علماء الفريقين ـ من الصدر الأول حتى الآن ـ بهذا الحديث وتناقلوه وحققوه وشرحوه مبتهجين ومتبركين به، ومن راجع كلماتهم حوله لم يبق له ريب في صحته وثبوته، ولم يصغ إلى أراجيف شذاذ من أهل الزيغ والعناد.
السادس عشر:
إن هذا الحديث مما اتفق عليه الفريقان، وذلك من أوضح الأدلة على قطعية صدوره.
(1) الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 308 ـ 309 بشرح القاري.
(2) الشفا: 309.
(3) الشفا: 309 بشرح القاري.