الثاني: عدالة الجميع
واشتهر بين أهل السنّة القول بأنّ الصّحابة كلّهم عدول ثقات، لا يتطرّق إليهم الجرح، ولا يجوز تكذيبهم في شيء من رواياتهم، والطّعن في الأقوال المنقولة عنهم، فكأنّهم بمجرّد صحبتهم للرّسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أصبحوا معصومين عن الخطأ، ومحفوظين من الزلل… .
قال المزني: «كلّهم ثقة مؤتمن»(1).
وقال الخطيب: «عدالة الصّحابة ثابتة معلومة»(2).
وقال ابن حزم: «الصّحابة كلّهم من أهل الجنّة قطعاً»(3).
وبهذا صرّح ابن عبدالبرّ(4) وابن الأثير(5) والغزالي(6) وغيرهم.
وأمّا دعوى الاجماع على ذلك من بعضهم كابن حجر العسقلاني(7) وابن عبدالبر(8) فيكذبّها نسبة هذا القول إلى الأكثر في كلام جماعة من كبار أئمتهم.
قال ابن الحاجب: «مسئلة ـ الأكثر على عدالة الصّحابة، وقيل: كغيرهم، وقيل: إلى حين الفتن فلا يقبل الداخلون، لأن الفاسق غير معيّن، وقالت المعتزلة: عدول إلاّ من قاتل عليّاً…»(9).
وكذا في جمع الجوامع وشرحه حيث قال: «والأكثر على عدالة الصحابة لا يبحث عنها في رواية ولا شهادة…» ثم نقل الأقوال الأخرى(10).
بل صرّح جماعة منهم: السعد التفتازاني(11) والمازري شارح البرهان(12) وابن العماد الحنبلي(13) وآخرون من الأعلام كقاضي القضاة الشوكاني(14)، ومن المتأخرين الشيخ محمود أبو رية(15)والشيخ محمّد عبده(16) والسيد محمّد بن عقيل العلوي(17) والسيد محمّد رشيد رضا صاحب المنار في تفسير القرآن والشيخ المقبلي صاحب العلم الشامخ والشيخ مصطفى صادق الرافعي صاحب كتاب إعجاز القرآن وآخرون… بأنّ الصحابة اُناس كغيرهم وفيهم العدول وغير العدول… وهذا بعينه هو رأي الشيعة الامامية:
(1) سيأتي نص كلامه في الكتاب.
(2) الكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي: 46 ـ 49، ونقل ذلك عنه ابن حجر في الإصابة 1 / 162 ـ 163.
(3) الاصابة 1 / 163.
(4) الاستيعاب 1 / 117 ـ 118 و 129.
(5) اسد الغابة 1 / 110.
(6) إحياء علوم الدين 1 / 93 و 115 .
(7) الإصابة 1 / 162.
(8) الاستيعاب 1 / 129.
(9) المختصر 2 / 67 وكذا في شرحه.
(10) النصائح الكافية: 166.
(11) شرح المقاصد 5 / 310 ـ 311.
(12) الاصابة 1 / 163، النصائح الكافية: 167 ـ 168.
(13) النصائح الكافية: 168 عن الآلوسي.
(14) إرشاد الفحول: 158.
(15) شيخ المضيرة أبو هريرة: 101 وراجع أضواء على السنة المحمدية: 339 له أيضاً.
(16) أضواء على السنة المحمدية: 332.
(17) النصائح الكافية: 160 ـ 186.