نهج الحقّ و كشف الصدق للعلاّمة الحلّي
ومن كتب أصحابنا في اصول الدين: كتاب نهج الحقّ وكشف الصدق أحد كتب العلاّمة الحلّي رحمه اللّه، نعرّف به على نحو الإجمال، للوقوف على مواضيع كتبنا في الباب وأساليب علمائنا ومناهجهم في الموضوع.
لقد ألّف العلاّمة هذا الكتاب في الأُصولين والفقه، مع المقارنة بآراء المخالفين في مسائل العلوم الثلاثة، وهو من خيرة الكتب المقارنة بين المذاهب الإسلامية.
قال رحمه اللّه في المقدّمة: «وقد وضعنا هذا الكتاب الموسوم بـ(نهج الحقّ وكشف الصدق) طالبين فيه الاختصار وترك الإكثار، بل اقتصرنا فيه على مسائل ظاهرة معدودة، ومطالب واضحة محدودة، وأوضحت فيه لطائفة المقلّدين من طوائف المخالفين إنكار رؤسائهم ومقلّديهم القضايا البديهية، والمكابرة في المشاهدات الحسّيّة، ودخولهم تحت فرق السوفسطائية، وارتكاب الأحكام التي لا يرتضيها لنفسه ذو عقل ورويّة، لعلمي بأنّ المنصف منهم إذا وقف على مذهب من يقلِّده تبرّأ منه وحاد عنه، وعرف أنّه ارتكب الخطأ والزلل، وخالف الحقّ في القول والعمل.
فإن اعتمدوا الإنصاف، وتركوا المعاندة والخلاف، وراجعوا أذهانهم الصحيحة، وما تقتضيه جودة القريحة، ورفضوا تقليد الآباء، والاعتماد على أقوال الرؤساء، الّذين طلبوا اللذّة العاجلة، وأهملوا أهوال الآجلة، حازوا القسط والدنوّ من الإخلاص، وحصلوا النصيب الأسنى من النجاة والخلاص، وإنّ أبوا إلاّ استمراراً على التقليد، فالويل لهم من نار الوعيد، وصدق عليهم قوله تعالى: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ)(1).
وإنّما وضعنا هذا الكتاب حسبةً للّه ورجاءً لثوابه، وطلباً للخلاص من أليم عقابه بكتمان الحقّ وترك إرشاد الخلق…»(2).
وكانت عناوين مسائل هذا الكتاب:
1 ـ في الإدراك.
2 ـ في النظر.
3 ـ في صفاته تعالى.
4 ـ في النبوّة.
5 ـ في الإمامة.
6 ـ في المعاد.
7 ـ في أُصول الفقه.
8 ـ في ما يتعلّق بالفقه.
وفي كلّ فرع من فروع هذه المسائل يقول: «قالت الإمامية» و«قالت الأشاعرة» و«قالت المعتزلة»، معتمداً في الاحتجاج وكذا في نقل آراء الآخرين على أشهر كتب القوم وأتقنها، أمثال:
الصحاح الستّة… .
والجمع بين الصحيحين… .
ومسند أحمد بن حنبل… .
والأُمّ، للشافعي… .
وسنن البيهقي… .
ومصابيح السُنّة، للبغوي..
والمغازي، للواقدي..
وتاريخ الطبري..
وأنساب الأشراف، للبلاذري..
والاستيعاب، لابن عبدالبرّ… .
وإحياء علوم الدين، للغزّالي..
والمغني، للقاضي عبدالجبّار… .
والكشّاف، للزمخشري..
والتفسير الكبير، للرازي..
وهو في أغلب الموارد ـ حين يذكر القولين أو الأقوال ـ يخاطب الناظر فيها وأبناء المذاهب الأُخرى، بكلمات الوعظ والنصيحة، كقوله في موضع:
«فلينظر العاقل في المقالتين، ويلمح المذهبين، وينصف في الترجيح، ويعتمد على الدليل الواضح الصحيح، ويترك تقليد الآباء والمشايخ الآخذين بالأهواء، وغرتهم الحياة الدنيا، بل ينصح نفسه ولا يعوّل على غيره، ولا يقبَل عذره غداً في القيامة: إنّي قلّدت شيخي الفلاني، أو وجدت آبائي وأجدادي على هذه المقالة، فإنّه لا ينفعه ذلك يوم القيامة، يوم يتبرّأ المتبَعون من أتباعهم ويفرّون من أشياعهم، وقد نصّ اللّه تعالى على ذلك في كتابه العزيز.
ولكن أين الآذان السامعة، والقلوب الواعية؟! وهل يشكّ العاقل في الصحيح من المقالتين؟! وأنّ مقالة الإمامية هي أحسن الأقاويل، وأنّها أشبه بالدين؟!…»(3).
وكقوله في موضع آخر:
«فليعرض العاقل المنصف من نفسه هذه القضية على عقله، ويتّبع ما يقوده عقله إليه، ويرفض تقليد من يخطىء في ذلك، ويعتقد ضدّ الصواب، فإنّه لا يقبل منه غداً يوم الحساب، وليحذر من إدخال نفسه في زمره الّذين قال اللّه تعالى عنهم: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاء لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّارِ)(4)»(5).
فهذا هو أُسلوب العلاّمة رحمه اللّه في كتابه.
وكذلك اُسلوب سائر علماء الإماميّة في كتبهم.
وآخر دعوانا أنْ الحمد للّه رب العالمين.
(1) سورة البقرة 2: 166.
(2) نهج الحقّ وكشف الصدق: 37.
(3) نهج الحقّ وكشف الصدق: 79.
(4) سورة غافر 40: 47.
(5) نهج الحقّ وكشف الصدق: 103.