موقف الشيعة من هجوم الخصوم:
وكُتُب الشيعة الإمامية الاثني عشرية في أُصول الدين، وفي الإمامة منها بالخصوص، يمكن تقسيمها إلى قسمين:
الأوّل: ما ألّفه علماء هذه الطائفة لبيان أدلّتها على ما ذهبت إليه في أُصول الدين وفي خصوص الإمامة، وهي كتب ألّفوها لبيان عقائد الشيعة، مع الإشارة إلى أدلّتها، وفيها جاءت العقائد الشيعية مع المقارنة أحياناً بغيرها من عقائد الفرق; ومن هذا القسم:
أوائل المقالات: للشيخ المفيد البغدادي.
والذخيرة في علم الكلام: للسيّد المرتضى الموسوي البغدادي.
والاقتصاد الهادي إلى الرشاد: للشيخ أبي جعفر الطوسي.
وتجريد الاعتقاد: للشيخ نصير الدين الطوسي.
وكتب العلاّمة الحلّي، ككتاب «نهج الحقّ وكشف الصدق» الذي سنتكلّم عليه بالتفصيل.
الثاني: ما ألّفه العلماء في «ردّ» أو «نقض» ما كتبه الخصوم ضدّ المذهب الإمامي.
والظاهر أنّ كتبهم من هذا القسم أكثر عدداً منها من القسم الأوّل، وذلك لأنّ خصومهم قد دأبوا منذ عهد بعيد على الهجوم عليهم بالسبّ والشتم، وعلى المكابرة وإنكار الحقائق… .
فمن السهل أن يقول القائل منهم في حديث: «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها هلك»(1): «كذب موضوع»!(2)… .
أو أنّ الحديث: «خُلقت أنا وعليٌّ من نور واحد»(3): «موضوع بإجماع أهل السُنّة»(4)..
أو أنّ الحديث: «اللّهمّ ائتني بأحبّ خلقك إليك وإلى رسولك…»(5): «لم يروه أحد من أصحاب الصحاح، ولا صحّحه أئمّة الحديث»(6).
وكذا من السهل أن يقول القائل منهم مثلا في حديث الغدير(7): «لم يقل أحد من أئمّة العربية بمجيء (المولى) بمعنى (الأَولى)(8)..
وفي حديث الثقلين: «إنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علَيَّ الحوض»(9): أنّه قال: «… كتاب اللّه وسُنّتي»(10)… .
وفي حديث سدّ الأبواب: «أُمرت بسدّ الأبواب إلاّ باب عليّ»(11): «إنّ هذه الفضيلة كانت لأبي بكر فقلبته الرافضة إلى عليّ»!(12)… .
وفي حديث المنزلة: «أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى»(13): «إنّه لا يدلّ على عموم المنزلة»(14)… .
إنّ كلّ واحدمن هذه الأقاويل سطر واحد أو سطران، لكن الجواب عنه يستدعي الكثير من البحث، وربّما يشكّل كتاباً برأسه، كما هو واضح.
فمن هنا نرى كثرة كتب الردّ والنقض في مؤلفات الإمامية، فهم ـ في الأغلب ـ في مقام الدفاع عن مباني المذهب، وأُسس الدين، وربّما لا نجد كتاباً لأحدهم وضعه للهجوم على الخصوم.
* فلقد ألّف الجاحظ ـ المتوفّى سنة 255 ـ كتاب العثمانية للهجوم على الشيعة، وقد شحنه بالكذب وإنكار الضروريات وجحد البديهيات، وحتّى شجاعة أميرالمؤمنين ـ عليه الصلاة والسّلام ـ حاول إنكارها(15) ـ كما قال السمعودي ـ : «طلباً لإماتة الحقّ ومضادّةً لأهله، واللّه متمّ نوره ولو كره الكافرون»(16).
لكنّه عاد فنقض ما كتبه، فكان أوّل من ردّ على العثمانية(17).
ثمّ ردّ عليها جماعة من الإمامية وغيرهم بردود اشتهرت بـ«نقض العثمانية»، منهم: أبو جعفر الإسكافي المعتزلي ـ المتوفّى سنة 240 ـ ، والمسعودي صاحب مروج الذهب ـ المتوفّى سنة 346 ـ ، والسيّد جمال الدين ابن طاووس الحلّي ـ المتوفّى سنة 673 ـ في بناء المقالة الفاطمية، وهو مطبوع.
* وألّف القاضي عبدالجبّار بن أحمد المعتزلي ـ المتوفّى سنة 415 ـ كتاب المغني، وتعرّض فيه لعقائد الإمامية بالردّ والنقد، وخصوصاً في باب الإمامة، إذ كان ـ كما جاء في خطبة كتاب الشافي ـ «قد بلغ النهاية في جمع الشُبه، وأورد قوي ما اعتمده شيوخه، مع زيادات يسيرة سبق إليها، وتهذيب مواضع تفرّد بها»(18).
فكتب السيّد المرتضى ـ المتوفّى سنة 436 ـ في الردّ عليه كتاب الشافي في الإمامة، ثمّ لخّصه تلميذه الشيخ أبو جعفر الطوسي ـ المتوفّى سنة 460 ـ واشتهر كتابه بـ : تلخيص الشافي.
* ثمّ كتب شهاب الدين الشافعي الحنفي الرازي ـ من بني مشّاط ـ كتاباً سمّاه بعض فضائح الروافض، هاجم فيه الشيعة وتحامل عليهم.
فردّ عليه معاصره الشيخ نصير الدين عبدالجليل بن أبي الحسين القزويني(19) بكتاب بعض مثالب النواصب في نقض بعض فضائح الروافض، وهو مطبوع.
* ثمّ ظهر أحمد بن عبدالحليم الحرّاني، ابن تيميّة، فألّف كتاب منهاج السُنّة، زعم أنّه ردٌّ على كتاب منهاج الكرامة للعلاّمة الحلّي، لكنّه ـ من أوّله إلى آخره ـ مجموعة سباب وافتراءات وما هو ـ في مجمله ـ إلاّ بغض لأمير المؤمنين وأهل البيت الطاهرين عليهم الصلاة والسلام.
فكتب بعض معاصرية ردّاً عليه، هو كتاب الإنصاف والانتصاف لأهل الحقّ من أهل الإسراف، تمّ تأليفه سنة 757.
وكتب في الردّ عليه أيضاً: السيّد مهدي القزويني ـ المتوفّى سنة 1348 ـ كتاب منهاج الشريعة.
ولهذا العبد العاجز ـ صاحب المقدّمة ـ كتاب دراسات في منهاج السُنّة، وهو كتاب جليل مطبوع منتشر في البلاد.
كما جاء الردّ على منهاج السُنّة في شرح منهاج الكرامة لهذا العبد، والجزء الأوّل منه مطبوع الآن.
* وألّف يوسف الأعور الواسطي الشافعي كتاب الرسالة المعارضة في الردّ على الرافضة.
فردّ عليه: الشيخ عزّ الدين الحسن بن شمس الدين المهلّبي الحلّي، في سنة 840 بكتاب الأنوار البدرية في كشف شبه القدرية، قال: «التزمت فيه على أنّ لا استدلّ من المنقول عن الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلاّ بما ثبت من طريق الخصم، ولا أفعل كما فعل الناصب في كتابه»(20).
كما ردّ عليه أيضاً: الشيخ نجم الدين خضر بن محمّد الحبلرودي الرازي بكتاب التوضيح الأنور في دفع شبه الأعور، وذلك في سنة 839 في مدينة الحلّة بالعراق.
* وألّف ابن حجر الهيتمي المكّي ـ المتوفّى سنة 974 ـ كتاب الصواعق المحرقة في الردّ على أهل البدع والزندقة، قال في خطبته: «فإنّي سئلت قديماً في تأليف كتاب يبيّن حقّية خلافة الصدّيق وإمارة ابن الخطّاب، فأجبت إلى ذلك مسارعة في خدمة هذا الجناب، فجاء بحمد اللّه أُنموذجاً لطيفاً، ومنهاجاً شريفاً، ومسلكاً منيفاً.
ثمّ سئلت في إقرائه في رمضان سنة 950 بالمسجد الحرام، لكثرة الشيعة والرافضة ونحوهما الآن بمكّة المشرّفة أشرف بلاد الإسلام، فأجبت إلى ذلك، رجاء لهداية بعض من زلّ به قدمه عن أوضح المسالك…»(21).
فردّ عليه القاضي نور اللّه التستري ـ الشهيد في الديار الهندية سنة 1019 ـ بكتاب الصوارم المهرقة في الردّ على الصواعق المحرقة، وقد طبع غير مرّة.
* وكتب من يدعى محمّد نصر اللّه الكابلي ـ وهو نكرة لم يعرف، ولعلّه اسم مستعار ـ كتاب الصواقع الموبقة.
* ثمّ جاء المولوي عبدالعزيز الدهلوي ـ المتوفّى سنة 1239 ـ فأخذ مطالبه وانتحلها في كتابه تحفه اثنا عشريه بالفارسية.. وهو كتاب في التهجّم على الشيعة الاثني عشرية، في الأُصول والفقهيات وغير ذلك… .
* ثمّ إنّ النعمان الآلوسي البغدادي نشره بالعربية ملخّصاً باسم مختصر التحفة الاثنا عشرية، فزاد عليه في الهوامش بعض أتباع بني أُميّة وأعداء الدين الحنيف ما سوّلت له نفسه الخبيثة من الأكاذيب والأراجيف، وطبعته الأيدي الاثيمة من أذناب الكفر العالمي مرّات عديدة.
فكُتبت على التحفة الردود الكثيرة من قبل كبار علماء الشيعة في البلاد الهندية، في الأبواب المختلفة، وفنّدوا مزاعمه، وكشفوا أباطيله، وزيّفوا تمويهاته، جملةً وتفصيلا، وقد تناول السيّد مير حامد حسين النيسابوري اللكهنوي ـ المتوفّى سنة 1306 ـ باب الإمامة منه بالردّ والنقد، في كتابه العظيم عبقات الأنوار في إثبات إمامة الأئمّة الأطهار.
كما كُتبت على مختصر التحفة ردود أُخرى كذلك.
ومن شاء التفصيل عنه وعن سائر الردود على كتاب التحفة فليرجع إلى كتابنا دراسات في كتاب العبقات(22).
وهكذا، توالت كتب التهجّم على الشيعة حتّى زماننا هذا، بل كثرت فيه وتضاعفت، وما زالوا يكرّرون الشتائم والأكاذيب والتهم والأباطيل، التي تفوّه بها السابقون منهم، ورُدّ عليها الردّ الجميل من علماء الإمامية.
وما زال علماء الطائفة في موقف الدفاع عن المذهب وصدّ الهجمات الواردة من مختلف البلاد.
(1) انظر مثلا: المعارف ـ لابن قتيبة ـ : 146 ضمن ترجمة أبي ذرّ الغفاري، المعجم الكبير ـ للطبراني ـ 3 / 45 ح 2636 ـ 2638، المعجم الأوسط 6 / 147 ح 5870، المستدرك على الصحيحين 3 / 163 ح 4720، مشكاة المصابيح 3 / 378 ح 6183 عن أحمد بن حنبل، الصواعق المحرقة: 234 عن مسلم.
(2) قال الذهبي بترجمة مفضّل بن صالح من ميزان الاعتدال 6 / 499 رقم 8734: «حديث سفينة نوح أنكر وأنكر»!
(3) انظر: فضائل الصحابة ـ لابن حنبل ـ 2 / 823 ح 1130، مناقب الإمام عليّ عليه السّلام ـ للخوارزمي ـ : 145 ح 169 و170، فردوس الأخبار 2 / 178 ح 4884، تاريخ دمشق 42 / 67.
(4) انظر: التحفة الاثنا عشرية: 215 ـ 216.
(5) مرّ تخريجه في صفحة 41 هـ 4.
(6) انظر: منهاج السُنّة 7 / 371.
(7) راجع تخريجه في صفحة 38 هـ 2.
(8) انظر: هـ 3 صفحة 39.
(9) انظر مثلا: سننن الترمذي 5 / 621 ـ 622 ح 3786 و3788، مسند أحمد 3 / 14 و17 و26 و59، سنن الدارمي 2 / 292 ح 3311، المستدرك على الصحيحين 3 / 118 ح 4576 و4577، السنن الكبرى ـ للبيهقي ـ 7 / 30، مجمع الزوائد 9 / 163.
(10) الموطّأ: 785 ح3، سنن الدار قطني 4 / 136 ح 4559.
(11) سنن الترمذي 5 / 599 ح 3732، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 5 / 113 ح 8409 و ص 118 ح 8423 و8425، مسند أحمد 1 / 175، مسند أبي يعلى 2 / 61 ح 703، المعجم الكبير 2 / 246 ح 2031 وج 12 / 78 ح 12594، السمتدرك على الصحيحين 3 / 135 ح 4631 وص 144 ذ ح 4652.
(12) انظر: الموضوعات ـ لابن الجوزي ـ 1 / 366، تذكرة الموضوعات ـ للفتني ـ : 95.
(13) انظر مثلا: صحيح البخاري 5 / 89 ح 202، صحيح مسلم 7 / 120، سنن الترمذي 5 / 599 ح 3731، سنن ابن ماجة 1 / 42 ح 115، السنن الكبرى ـ للنسائي ـ 5 / 44 ح 8138 ـ 8143، مسند أحمد 1 / 170 و177، مسند البزّار 3 / 278 ح 1068.
(14) انظر مؤدّاه في الإرشاد ـ للجويني ـ : 335.
(15) راجع: العثمانية: 45 ـ 50.
(16) مروج الذهب 3 / 237.
(17) الفهرست ـ للنديم ـ : 294.
(18) الشافي في الإمامة 1 / 33.
(19) كان حيّاً سنة 556; انظر: معجم المؤلّفين 2 / 49 رقم 6558.
(20) انظر: الذريعة 2 / 419 رقم 1657.
(21) الصواعق المحرقة: 9.
(22) طبع مستقلا وفي مقدّمة الجزء الأوّل من «نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار».