الجدل بالحقّ: إقامة الحجّة المعتبرة:
ثمّ إنّه قد جاء التعبير عن «الجدال بالباطل» بـ«الجدال بغير سلطان» في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَان أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ)(1) و«السلطان» هو «الحجّة» سمّيت به لسيطرتها وتسلّطها على القلوب(2).
ومنه يفهم أنّ المراد من «الجدال بالحقّ»، هو «الجدال بالحجّة».
لكنّ «الحجّة» إنّما يحصل لها «السلطان» على القلوب إذا كانت (بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(3) فلذا أمر اللّه تعالى بذلك… .
وفي هذا إشارة إلى آداب البحث والمناظرة والجدل… .
لقد فُسّرت الكلمة بـ : الطريقة التي هي أصلح وأقرب للنتيجة والنفع(4).. وهو تفسير صحيح يتناسب مع المواضع المختلفة التي استعملت فيها الكلمة في القرآن الكريم… .
قال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ)(5).
أي: بالطريقة التي هي أعود وأنفع له(6).
وقال تعالى: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ)(7).
أي: بأن يتكلّموا مع المشركين بالطريقة التي لا تعود بالفائدة على الشيطان في تحصيل مقاصده من الوقيعة بين المؤمنين وبين المشركين(8)… .
فاللّه سبحانه يريد من المؤمنين أن يكون جدالهم مقروناً بما يعينهم في إقامة الحجّة وإفحام الخصوم وظهور الحقّ على الباطل.
وتلخّص: إنّ الجدال المقبول شرعاً وعقلا هو: الجدال بـ : الحجّة المعتبرة، مع رعاية الآداب… .
(1) سورة غافر 40: 56.
(2) انظر: المفردات في غريب القرآن: 244 مادّة «سلط».
(3) سورة النحل 16: 125.
(4) انظر ما يقرب من ذلك في: تفسير الكشّاف 2 / 435، تفسير البحر المحيط 5 / 549، تفسير الطبري 10 / 141.
(5) سورة الأنعام 6: 152، سورة الإسراء 17: 34.
(6) انظر: تفسير الطبري 5 / 393، مجمع البيان 4 / 183.
(7) سورة الإسراء 17: 53.
(8) انظر: تفسير البحر المحيط 6 / 49، تفسير الكشّاف 2 / 453.
Menu