نقل المطلب عن كتاب وليس فيه
ونفي وجوده في كتاب وهو فيه
ثمّ إنّه قد ينقل الحديث أو غيره من كتاب من الكتب، ويظهر بعد المراجعة عدم وجوده فيه… وبالعكس، عندما يستدل العلاّمة بحديث أو ينسب إلى القوم عقيدةً أو قولا، فينفي وجوده أو ما يفيده في الكتاب أو شيء من الكتب.. وهذه موارد من ذلك:
* ذكر العلاّمة أقوالا للأشاعرة في الجواب عمّا أورد عليهم في مسألة الكسب، فقال الفضل:
«وأمّا هذه الأقوال التي نقلها عن الأصحاب فما رأيناها في كتبهم».
فذكر الشيخ المظفّر أنّها موجودة في شرح المقاصد.
والعجيب أنّه مع قوله: «فما رأيناها في كتبهم» يقول بالنسبة إلى القول الثاني من تلك الأقوال: «هو مذهب القاضي أبي بكر الباقلاّني من الأشاعرة»(1).
* وذكر الفضل قصّة زنا المغيرة ودرء عمر الحدّ عنه، بنحو ينزّه فيه المغيرة عن ذلك الفعل الشنيع وعمر عن تعطيل حدّ اللّه فيه، فقال:
«هذا رواية الثقات، ذكره الطبري في تاريخه بهذه الصورة، وذكره البخاري في تاريخه، وابن الجوزي، وابن خلّكان، وابن كثير، وسائر المحدّثين، وأرباب التاريخ في كتبهم»… .
قال: «وعلى هذا الوجه هل يلزم طعن؟!»(2).
فقال الشيخ المظفّر في الجواب: «قبح الكذب عقلي وشرعي، ولا سيّما في مقام تحقيق المذهب الحقّ الذي يسأل اللّه العبد عنه، وأقبح منه عدم المبالاة به وعدم الحياء ممّن يطّلع عليه.
أنت ترى هذا الرجل يفتعل قصّةً وينسبها إلى كتب معروفة، وما رأيناه منها خال عن أكثر هذه القصّة، كتاريخ الطبري ووفيات الأعيان… ولنذكر ما في تاريخ الطبري ووفيات الأعيان لتعلم كذبه في ما نسبه إليهما، ونستدلّ به على كذبه في ما نسبه إلى غيرهما…»(3).
* وقال الفضل ـ في الدفاع عن عثمان في إيوانه الحكم بن أبي العاص وأهله ـ :
«روى أرباب الصحاح أنّ عثمان لمّا قيل له: لِمَ أدخلت الحكم ابن أبي العاص؟! قال: استأذنت رسول اللّه في إدخاله فأذن لي، وذكرت ذلك لأبي بكر وعمر فلم يصدّقاني، فلمّا صرت والياً عملت بعلمي في إعادتهم إلى المدينة. وهذا مذكور في الصحاح، وإنكار هذا النقل من قاضي القضاة إنكار باطل لا يوافقه نقل الصحاح…»(4).
أقول:
قد ادّعى هذا قاضي القضاة عبد الجبّار المعتزلي، واعترض عليه السيّد المرتضى علم الهدى ـ كما نقل العلاّمة عنه ـ بأنّ هذا ـ قول قاضي القضاة ـ لم يُسمع من أحد، ولا نُقل في كتاب، ولا يُعلم من أين نقله القاضي؟! أو في أيّ كتاب وجده؟!(5).
وهنا أيضاً يقول الشيخ المظفّر: «لا أثر لهذا الخبر في صحاحهم بحسب التتبّع، ولم أجد من نقله عنها، ولو كان موجوداً فيها فلِمَ لم يعيّن الكتاب ومحلّ ذِكره منه بعد إنكار المرتضى رحمه اللّه…»(6).
* وذكر الفضل مطلباً ـ في مقام الدفاع عن عثمان وتبرئته عن تعطيل حدّ اللّه في عبيداللّه بن عمر ـ ونسبه إلى التواريخ قائلا:
«هذا ما كان من أمر الهرمزان على ما ذكره أرباب صحاح التواريخ، ونقله الطبري وغيره…»(7).
فقال الشيخ المظفّر: «عجباً لهذا الرجل من عدم حيائه من الكذب وعدم مبالاته به، فإنّه نسب ما ذكره في قصّة الهرمزان إلى الطبري وغيره، وقد نظرت تاريخ الطبري وغيره ممّا حضرني من كتبهم، فلم أجد بها…»(8).
(1) دلائل الصدق 1 / 540 و 541 و 547.
(2) دلائل الصدق 3 / 149.
(3) دلائل الصدق 3 / 149 ـ 150.
(4) دلائل الصدق 3 / 258.
(5) نهج الحقّ: 292، وانظر: دلائل الصدق 3 / 256.
(6) دلائل الصدق 3 / 259.
(7) دلائل الصدق 3 / 310.
(8) دلائل الصدق 3 / 310.