التكذيب بقضايا ثابتة
وكم من قضيّة ثابتة لا تقبل الجدل والتشكيك، كذّبها الفضل وأنكرها! وجعل يسبُّ ويشتم العلاّمة لذِكرها!!
وقد رأينا أن نذكر عشرة موارد من هذا القبيل، تاركين الحكم للباحث المنصف الحرّ:
1 ـ كون أبي بكر في جيش أُسامة:
قال الفضل: «قد صحّ أنّ أبا بكر لم يكن في جيش أُسامة، وقد قال الجزيري: من ادّعى أنّ أبا بكر كان في جيش أُسامة فقد أخطأ، لأنّ النبيّ بعد أن أنفذ جيش أُسامة قال: مُرُوا أبا بكر فليصلِّ بالناس; ولو كان مأموراً بالرواح مع أُسامة لم يكن رسول اللّه يأمره بالصلاة بالأُمة»(1).
أقول:
هذا كلامه!
ونحن للاختصار نكتفي بكلام الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح البخاري، فإنّه يقول ما ملخّصه:
«كان تجهيز أُسامة يوم السبت، قبل موت النبيّ بيومين… فبدأ برسول اللّه وجعه في اليوم الثالث، فعقد لأُسامة لواءً بيده، فأخذه أُسامة، فدفعه إلى بريدة، وعسكر بالجرف. وكان ممّن ندب مع أُسامة من كبار المهاجرين والأنصار، منهم: أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، وسعد، وسعيد، وقتادة بن النعمان، وسلمة بن أسلم. فتكلّم في ذلك قوم… ثمّ اشتدّ برسول اللّه وجعه فقال: أنفِذوا جيش أُسامة.
وقد روي ذلك عن: الواقدي، وابن سعد، وابن إسحاق، وابن الجوزي، وابن عساكر…»(2).
2 ـ تفرّد أبي بكر برواية حديث «نحن معاشر الأنبياء…»:
وقال الفضل: «وأمّا ما ذكر أنّ أبا بكر تفرّد برواية هذا الحديث من بين سائر المسلمين، فهذا كذب صراح… فكيف يقول هذا الفاجر الكاذب إنّ أبا بكر تفرّد برواية حديث عدم توريث رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله [وسلّم؟!»(3).
أقول:
هذا كلامه، ونحن نذكر أسماء بعض كبار أئمّة أهل السُنّة ممّن نصّ على تفرّد أبي بكر بالحديث المزبور، ونشير إلى محالّ كلماتهم في ذلك:
القاضي الإيجي(4)… .
الفخر الرازي(5)… .
أبو حامد الغزّالي(6)… .
سيف الدين الآمدي(7)… .
علاء الدين البخاري(8)… .
سعد الدين التفتازاني(9)… .
جلال الدين السيوطي عن: البغوي وأبي بكر الشافعي وابن عساكر(10).
المتّقي الهندي، عن: أحمد ومسلم وأبي داود وابن جرير والبيهقي(11)… .
ابن حجر المكّي(12).
3 ـ كشف أبي بكر بيت فاطمة عليها السّلام:
وقال الفضل: «وأمّا ما ذكره من كشف بيت فاطمة، فلم يصحّ بهذا رواية قطعاً»(13).
أقول:
خبر كشف بيت فاطمة الزهراء عليها السّلام من أصدق الأخبار وأثبتها، وقد رواه جمع كثير من الأئمّة الأعلام من أهل السُنّة في كتبهم المعروفة المشهورة، فمنهم من رواه بالإسناد، ومنهم من أرسله إرسال المسلّمات، وتنتهي أسانيدهم إلى أبي بكر نفسه، في خبر يبدي فيه أبو بكر أسفه على أُمور فعلها ودّ لو تركها، في كلام طويل، ونحن نذكر القدر المحتاج إليه هنا، وذلك قوله: «وددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن غلّقوه على الحرب».
ومن رواته:
أبو جعفر الطبري، في التاريخ 2 / 353… .
وأبو عبيدالقاسم بن سلام، في كتاب الأموال: 174… .
وابن عبدربّه القرطبي، في العقد الفريد 3 / 279… .
والمسعودي، في مروج الذهب 2 / 301… .
وابن قتيبة، في الإمامة والسياسة 1 / 36… .
وسعيد بن منصور… .
والطبراني، في المعجم الكبير 1 / 62 ح 43… .
وابن عساكر، في تاريخ دمشق 30 / 418 ـ 422… .
وخيثمة بن سليمان الأطرابلسي… .
والمتّقي الهندي، عن الأربعة الأواخر، في كنز العمّال 5 / 631 ح 14113.
ولقد رواه الطبري قائلا: «حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا يحيى بن عبداللّه بن بكير، قال: حدّثنا الليث بن سعد، قال: حدّثنا علوان، عن صالح بن كيسان، عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، أنّه دخل على أبي بكر…» فأورد الخبر بطوله، وفيه: «فوددت أنّي لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلّقوه على الحرب» ثمّ قال بعد الخبر:
«قال لي يونس: قال لنا يحيى: ثمّ قدم علينا علوان بعد وفاة الليث، فسألته عن هذا الحديث، فحدّثني به كما حدّثني الليث بن سعد حرفاً حرفاً، وأخبرني أنّه هو حدّث به الليث بن سعد، وسألته عن اسم أبيه فأخبرني أنّه علوان بن داود».
ثمّ قال الطبري: «وحدّثني محمّد بن إسماعيل المرادي، قال: حدّثنا عبداللّه بن صالح المصري، قال: حدّثني الليث، عن علوان بن صالح، عن صالح بن كيسان، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أنّ أبا بكر الصدّيق قال… ثمّ ذكر نحوه ولم يقل فيه: (عن أبيه)»(14).
(1) دلائل الصدق 3 / 11.
(2) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 8 / 192 ذ ح 4469.
(3) دلائل الصدق 3 / 43 ـ 44.
(4) شرح مختصر ابن الحاجب في علم الأُصول 2 / 59 في مبحث خبر الواحد.
(5) المحصول في علم الأُصول 2 / 180 ـ 181 في مبحث خبر الواحد.
(6) المستصفى في علم الأُصول 2 / 121 ـ 122 في مبحث خبر الواحد.
(7) الإحكام في أُصول الأحكام 2 / 298 و 525 في مبحث خبر الواحد ومبحث تخصيص الكتاب بخبر الواحد ـ في التخصيص بالأدلّة المنفصلة ـ المسألة الخامسة.
(8) كشف الأسرار في شرح أُصول البزدوي 2 / 688.
(9) فواتح الرحموت في شرح مسألة الثبوت ـ هامش المستصفى ـ 2 / 132.
(10) تاريخ الخلفاء: 86.
(11) كنز العمّال 5 / 605 ح 14071.
(12) الصواعق المحرقة: 25 و53.
(13) دلائل الصدق 3 / 32.
(14) تاريخ الطبري 2 / 353 ـ 354.