4 ـ رواية ابن مردويه:
وهي الرواية التي ذكرها ابن كثير، وتعقّبها بقوله: «الضحّاك لم يلقَ ابن عبّاس»، فنقول:
إذا كان هذا فقط هو المطعن فالأمر سهل:
أمّا أوّلاً: فإنّه ـ وإن قال بعضهم: «لم يلق ابن عبّاس» ـ قد ورد حديثه عنه في ثلاثة من الصحاح(1)، وابن حجر العسقلاني لم يقدح في هذه الرواية ـ كما مرّ في الكاف الشاف ـ .
وأمّا ثانياً: فإنّه لو كانت روايته عن ابن عبّاس مرسلةً، فالواسطة معلومة حتى عند القائل بإرسالها; فقد رووا عن شعبة، قال: «حدّثني عبدالملك بن ميسرة، قال: الضحّاك لم يلق ابن عبّاس، إنّما لقي سعيد ابن جبير بالريّ، فأخذ عنه التفسير»(2).
وعليه، فروايات الضحّاك عن ابن عبّاس في التفسير مسندة غير مرسلة; إذ كلّها بواسطة «سعيد بن جبير» الثقة الثبت بالاتّفاق، غير إنّه كان لا يذكر الواسطة لدى النقل; تحفّظاً على سعيد، لكونه مشرّداً مطارداً من قبل جلاوزة الحجّاج الثقفي، وتحفّظاً على نفسه أيضاً، لكونه قصد سعيداً في الريّ للأخذ عنه، وجعل يروي ما أخذه عنه وينشر رواياته بين الناس، لاسيّما مثل هذا الخبر الذي يُعَدّ من جلائل مناقب أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام.
هذا، واعلم أنّ «ابن سنان» الراوي عن «الضحّاك» هو ـ بقرينة الراوي والمروي عنه ـ : «سعيد بن سنان البرجمي الكوفي، نزل الريّ»، قال الحافظ ابن حجر: «صدوق له أوهام» وعلّم عليه علامة: مسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة(3).
ولا أستبعد أن يكون «ابن سنان» هذا أيضاً من المشرّدين اللاجئين إلى الريّ خوفاً من الحجّاج، وأن يكون إسقاط اسم «سعيد بن جبير» منه… واللّه العالم.
وكيف كان، فالرواية من الأسانيد المعتبرة الواردة في الباب.
(1) تهذيب الكمال 9 / 173.
(2) تهذيب الكمال 9 / 175.
(3) تقريب التهذيب 1 / 356 رقم 2339.