كلمات المتأخّرين عن قاضي القضاة:
* فالفخر الرازي، إذا راجعت كلامه في تفسيره(1) وجدته عيالاً على القاضي المعتزلي; إذ كرّر هذه الشبهات من غير أن يشير إلى أجوبة السيّد المرتضى وغيره عليها!!
* والقاضي العضد الإيجي أجاب قائلاً: «والجواب: أنّ المراد هو: الناصر; وإلاّ دلّ على إمامته حال حياة الرسول، ولأنّ ما تكرّر فيه صيغ الجمع كيف يحمل على الواحد؟! ولأنّ ذلك غير مناسب لِما قبلها وما بعدها»(2).
* والسعد التفتازاني أجاب: «ما قبل الآية شاهد صدق على أنّه لولاية المحبّة والنصرة دون التصرّف والإمامة، ووصف المؤمنين يجوز أن يكون للمدح دون التخصيص، ولزيادة شرفهم واستحقاقهم..
(وَهُمْ راكِعُونَ): يحتمل العطف، أو: يخضعون، وظاهر الكلام ثبوت الولاية بالفعل وفي الحال، ولم يكن حينئذ ولاية التصرّف والإمامة، وصرفه إلى المآل لا يستقيم في اللّه ورسوله، وحمل صيغة الجمع على الواحد إنّما يصحّ بدليل، وخفاء الاستدلال بالآية على الصحابة عموماً وعلى عليّ خصوصاً في غاية البعد»(3).
* والآلوسي، انتحل كلام شاه عبدالعزيز الدهلوي صاحب التحفة الاثني عشرية بطوله من غير أن يذكره أصلاً، بل عزا كلامه إلى أهل السُنّة، قائلاً: وقد أجاب أهل السُنّة(4)…
وسيأتي البحث مع الدهلوي إن شاء اللّه تعالى.
* وابن تيميّة، وجد أنّ لا مناص ولا خلاص إلاّ بتكذيب أصل القضيّة، فقال: «وقد وضع بعض الكذّابين حديثاً مفترى: إنّ هذه الآية نزلت في عليّ لمّا تصدّق بخاتمه في الصلاة. وهذا كذب بإجماع أهل العلم بالنقل»(5).
وقال أيضاً: «أجمع أهل العلم بالنقل على أنّها لم تنزل في عليّ بخصوصه، وأنّ عليّاً لم يتصدّق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أنّ القصّة المرويّة في ذلك من الكذب الموضوع»(6).
وقال: «جمهور الأُمّة لم تسمع هذا الخبر»(7).
* وابن روزبهان، لم يكذّب الخبر، وإنّما ناقش في معنى «الولاية» فحملها على «النصرة»، وتمسّك بالسياق; وهذان وجهان من الوجوه المذكورة في كلام القاضي المعتزلي.
* وعبد العزيز الدهلوي ـ الذي انتحل كلامه الآلوسي في تفسيره، وتبعه صاحب مختصر التحفة الاثني عشرية ـ أجاب عن الاستدلال أوّلاً بالإجمال، وحاصله: النقض بإمامة سائر أئمّة أهل البيت عليهم السلام..
قال: «إنّ هذا الدليل كما يدلّ على نفي إمامة الأئمّة المتقدّمين، كما قرّر، يدلّ كذلك على سلب الإمامة عن المتأخّرين بذلك التقرير بعينه; فلزم أنّ السبطين ومَن بعدهما من الأئمّة الأطهار لم يكونوا أئمّة.
فلو كان استدلال الشيعة هذا يصحّ لفسد تمسّكهم بهذا الدليل; إذ لا يخفى أنّ حاصل هذا الاستدلال، بما يفيد في مقابلة أهل السُنّة، مبني على كلمة الحصر، والحصر كما يضرّ أهل السُنّة يكون مضرّاً للشيعة أيضاً، فإن أجابوا عن النقض بأنّ المراد: حصر الولاية في الأمير كرّم اللّه وجهه في بعض الأوقات، أعني وقت إمامته لا وقت إمامة السبطين ومن بعدهم رضي اللّه تعالى عنهم. قلنا: فمرحباً بالوفاق».
وأجاب عن الاستدلال ثانياً بالتفصيل، وهو في وجوه:
«الأوّل: إنّا لا نسلّم الإجماع على نزول الآية في الأمير; فروى أبوبكر النقّاش صاحب التفسير المشهور عن محمّد الباقر رضي اللّه تعالى عنه أنّها نزلت في المهاجرين والأنصار، فقيل: قد بلغنا ـ أو: يقول الناس ـ أنّها نزلت في عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه. فقال: هو منهم..
وروى جمع من المفسّرين عن عكرمة، أنّها نزلت في شأن أبي بكر.
وأمّا نزولها في حقّ عليّ ورواية قصّة السائل وتصدّقه عليه في حال الركوع فإنّما هو للثعلبي فقط، وهو متفرّد به، ولا يعدّ المحدّثون من أهل السُنّة روايات الثعلبي قدر شعيرة، ولقّبوه بـ«حاطب ليل»; فإنّه لا يميّز بين الرطب واليابس، وأكثر رواياته في التفسير عن الكلبي(8) عن أبي صالح، وهي أوهى ما يروى في التفسير عندهم..
وقال القاضي شمس الدين ابن خلكان في حال الكلبي: إنّه كان من أتباع عبداللّه بن سبأ… .
وينتهي بعض روايات الثعلبي إلى محمّد بن مروان السدّي الصغير، وهو كان رافضيّاً غالياً.
والثاني: إنّا لا نسلّم أنّ المراد بالولي: المتولّي للأُمور والمستحق للتصرّف فيها تصرّفاً عاماً، بل المراد به: الناصر; وهو مقتضى السياق.
والثالث: إنّه لو سلّم أنّ المراد ما ذكروه، فلفظ الجمع عام أو مساو له، كما ذكره المرتضى في الذريعة، وابن المطهّر في النهاية، والعبرة لعموم اللّفظ لا لخصوص السبب..
وليست الآية نصّاً في كون التصدّق واقعاً في حال ركوع الصلاة; لجواز أن يكون الركوع بمعنى التخشّع والتذلّل، لا بالمعنى المعروف في عرف أهل الشرع.
وليس حمل الركوع في الآية على غير معناه الشرعي بأبعد من حمل الزكاة المقرونة بالصلاة على مثل ذلك التصدّق، وهو لازم على مدّعى الإماميّة قطعاً.
وأجاب الشيخ إبراهيم الكردي قدّس سرّه عن أصل الاستدلال: بأنّ الدليل قام في غير محلّ النزاع، وهو كون عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه إماماً بعد رسول اللّه من غير فصل; لأنّ ولاية الّذين آمنوا على زعم الإماميّة غير مرادة في زمان الخطاب; لأنّ ذلك عهد النبوّة والإمامة نيابة، فلا تُتصور إلاّ بعد انتقال النبيّ، وإذا لم يكن زمان الخطاب مراداً تعيّن أن يكون المراد الزمان المتأخّر عن زمن الانتقال، ولا حدّ للتأخير، فليكن ذلك بالنسبة إلى الأمير بعد مضي زمان الأئمّة الثلاثة; فلم يحصل مدّعى الإماميّة.
(قال:) ولو تنزّلنا عن هذه كلّها لقلنا: إنّ هذه الآية معارضة بالآيات الناصّة على خلافة الخلفاء الثلاثة»(9).
(1) تفسير الرازي 12 / 29.
(2) المواقف: 400، شرح المواقف 8 / 360.
(3) شرح المقاصد 5 / 269.
(4) روح المعاني 6 / 245.
(5) منهاج السُنّة 2 / 30.
(6) منهاج السُنّة 7 / 11.
(7) منهاج السُنّة 7 / 17.
(8) تصحّف «الكلبي» إلى «الكليني» في مختصر التحفة الاثني عشرية.
(9) التحفة الاثنا عشرية: 198، وانظر: مختصر التحفة الاثني عشرية: 157، وقارن بتفسير الآلوسي (روح المعاني) 6 / 245 ـ 246!