استدلال الشيخ المفيد
* وقال الشيخ المفيد ـ بعد أن ذكر القصّة ـ : «وفي قصّة أهل نجران بيانٌ عن فضل أمير المؤمنين عليه السلام، مع ما فيه من الآية للنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، والمعجز الدّال على نبوّته.
ألا ترى إلى اعتراف النصارى له بالنبوّة، وقطعه عليه السلام على امتناعهم من المباهلة، وعلمهم بأنّهم لو باهلوه لحلّ بهم العذاب، وثقته عليه وآله السلام بالظفر بهم والفلج بالحجّة عليهم، وأنّ اللّه تعالى حكم في آية المباهلة لأمير المؤمنين عليه السلام بأنّه نفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، كاشفاً بذلك عن بلوغه نهاية الفضل، ومساواته للنبيّ عليه وآله السلام في الكمال والعصمة من الآثام، وأنّ اللّه جلّ ذكره جعله وزوجته وولديه ـ مع تقارب سنّهما ـ حجّةً لنبيّه عليه وآله السلام وبرهاناً على دينه، ونصّ على الحكم بأنّ الحسن والحسين أبناؤه، وأنّ فاطمة عليها السلام نساؤه المتوجّه إليهنّ الذِكر والخطاب في الدعاء إلى المباهلة والاحتجاج؟!
وهذا فضل لم يشركهم فيه أحد من الأُمّة، ولاقاربهم فيه ولا ماثلهم في معناه، وهو لاحق بما تقدّم من مناقب أمير المؤمنين عليه السلام الخاصّة به، على ما ذكرناه»(1).
* وهكذا استدلّ الشريف المرتضى، حيث قال: «لا شبهة في دلالة آية المباهلة على فضل من دُعي إليها وجعل حضوره حجّة على المخالفين، واقتضائها تقدّمه على غيره; لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لا يجوز أن يدعو إلى ذلك المقام ليكون حجّةً فيه إلاّ من هو في غاية الفضل وعلوّ المنزلة.
وقد تظاهرت الرواية بحديث المباهلة، وأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم دعا إليها أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأجمع أهل النقل وأهل التفسير على ذلك… .
ونحن نعلم أنّ قوله (وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ) لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لأنّه هو الدّاعي، ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه، وإنّما يصحّ أن يدعو غيره، كما لا يجوز أن يأمر نفسه وينهاها، وإذا كان قوله تعالى: (وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ) لابُدّ أن يكون إشارةً إلى غير الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وجب أن يكون إشارة إلى أمير المؤمنين عليه السلام، لأنّه لا أحد يدّعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولديه عليهم السلام في المباهلة»(2).
(1) الإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد 1 / 169.
(2) الشافي في الإمامة 2 / 254.