و بقي شيء:
وهو: أنّه إذا كانت الآية (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ) من (سورة الأنفال)، ونازلة في واقعة بدر، ولا علاقة لها بقضية الأعرابي المعترض على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بعد واقعة غدير خمّ، فلماذا ذكر الحاكم النيسابوري الخبر التالي في تفسير (سورة المعارج) من كتاب التفسير من المستدرك؟!
وهذا نصّ عبارته:
«تفسير سورة (سَأَلَ سَائِلٌ). بسم اللّه الرحمن الرحيم: أخبرنا محمّد بن عليّ الشيباني بالكوفة، ثنا أحمد بن حازم الغفاري، ثنا عبيداللّه بن موسى، عن سفيان الثوري، عن الأعمش، عن سعيد بن جبير: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَاب وَاقِع * لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللّهِ ذِي الْمَعَارِجِ): ذي الدرجات.
(سَأَلَ سَائِلٌ). قال: هو النضر بن الحارث بن كلدة، قال: اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السماء.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه».
وافقه الذهبي على التصحيح(1).
بل إذا رجعت إلى المستدرك في سورة الأنفال، لا تجد الرواية هناك أصلا… .
وبماذا يجيب ابن تيميّة وأتباعه عن هذا الذي فعله الحاكم والذهبي وهما الإمامان الحافظان الكبيران؟!
لا سيّما وأنّ راوي هذا الخبر الصحيح هو سفيان الثوري، وقد وقع في طريق خبر صحيح آخر في القضيّة ـ كما تقدّم بالتفصيل ـ ، والمرويّ عنه هو سعيد بن جبير، ولابُدّ وأنّه أخذ الخبر من ابن عبّاس، وهو أحد رواة خبر نزول آية (سَأَلَ سَائِلٌ) في قضية غدير خمّ… مضافاً إلى أنّ أغلب رواته من الشيعة.
الحقيقة: إنّ هذا الخبر من جملة الأخبار الصحيحة في نزول (سَأَلَ سَائِلٌ) في قضيّة غدير خمّ، ويشهد بذلك كلام بعض المفسّرين بتفسير الآية مع ذكر القضيّة، حيث يذكر عن ابن عبّاس أنّ السائل للعذاب بعد قضيّة غدير خمّ هو «النصر بن الحارث بن كلدة».
ففي تفسير الخطيب الشربيني ما نصّه: «اختلف في هذا الداعي، فقال ابن عبّاس: هو النضر بن الحارث; وقيل: الحارث بن النعمان. وذلك أنّه لمّا بلغه قول النبيّ: من كنت مولاه فعليٌّ مولاه…»(2).
وفي تفسير القرطبي: «وهو النضر بن الحارث… قال ابن عبّاس ومجاهد. وقيل: إنّ السائل هنا هو الحارث بن النعمان الفهري، وذلك أنّه لمّا بلغه…»(3).
فذكرا قولين، أحدهما مطابق لرواية الحاكم، والآخر مطابق لرواية الثعلبي.
وعن تفسير أبي عبيدة الهروي أنّه: «جابر بن النضر بن الحارث ابن كلدة»(4).
ومنهم من صحّف «الحارث بن النعمان» إلى «النعمان بن المنذر» وهو أيضاً عن سفيان الثوري، وبسنده صحيح(5).
ومنهم من صحّفه إلى «النعمان بن الحارث»(6).
ومنهم من صحّفه إلى «الحارث بن عمرو»(7).
ومنهم من قال: «فقام إليه أعرابي»(8).
ومنهم من قال: «بعض الصحابة»(9).
ومنهم من قال غير ذلك…
والموضوع بحاجة إلى تحقيق أكثر ليس هذا موضعه…
لكنّ الأكثر على أنّه «الحارث بن النعمان» كما في تفسير الثعلبي.
وهنا اعترض ابن تيميّة قائلا:
«هذا الرجل لا يُعرف في الصحابة، بل هو من جنس الأسماء التي تذكرها الطرقية».
وهو مردود بأنّ هذا الرجل مرتدّ بردّه على اللّه والرسول، وكتب الصحابة قد اشترط أصحابها أن يذكروا فيها من مات من الصحابة على الإسلام.
وإن كان ابن تيميّة يراه ـ مع ذلك ـ مُسلماً، فإنّ كتب الصحابة لم تستوعب كلّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وهم على مسلكهم يعدّون بعشرات الآلاف.
وهذا موجز الكلام حول نزول هذه الآية في قضية يوم غدير خمّ، وباللّه التوفيق.
(1) المستدرك على الصحيحين 2 / 502.
(2) السراج المنير 4 / 380.
(3) تفسير القرطبي 18 / 278.
(4) الغدير 1 / 239.
(5) شواهد التنزيل 2 / 384.
(6) شواهد التنزيل 2 / 381.
(7) شواهد التنزيل 2 / 382.
(8) شواهد التنزيل 2 / 385.
(9) حاشية الحفني على الجامع الصغير 2 / 387.