عن کتاب محاضرات في الاعتقادات لسماحة آیة الله الحاج السید علي الحسیني المیلاني (مدظله العالي)، المجلد الأول، الصفحة 331
كلمات الصحابة في المقام العلمي للإمام علي عليه السّلام
وأمّا كلمات الصحابة فما أكثرها، وإنّي أنقل لكم نصّاً من أحد كبار الحفّاظ بترجمة أمير المؤمنين عليه السّلام، يشتمل هذا النص على شهادات من كبار الصحابة والتابعين في حقّ علي عليه السّلام من حيث مقامه العلمي.
يقول الحافظ النووي في كتاب ]تهذيب الأسماء واللغات[ حيث يترجم لعلي عليه السّلام:
أحد العلماء الربّانيين والشجعان المشهورين والزهاد المذكورين، وأحد السابقين إلى الإسلام… .
إلى أن قال: أمّا علمه، فكان من العلوم في المحلّ العالي، روى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خمسمائة حديث وستّة وثمانين حديثاً، اتفق البخاري ومسلم منها على عشرين، وانفرد البخاري بتسعة، ومسلم بخمسة عشر.
روى عنه بنوه الثلاثة الحسن والحسين ومحمّد بن الحنفية، وروى عنه: ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وأبو موسى، وعبداللّه بن جعفر، وعبداللّه بن الزبير، وأبو سعيد، وزيد بن أرقم، وجابر بن عبداللّه، وروى عنه من التابعين خلائق مشهورون.
ونقلوا عن ابن مسعود قال: كنّا نتحدّث أن أقضى المدينة علي.
قال ابن المسيّب: ما كان أحد يقول: سلوني غير علي.
وقال ابن عباس: وإذا ثبت لنا الشيء عن علي لم نعدل إلى غيره.
ثمّ يقول النووي:
وسؤال كبار الصحابة ـ متى قالوا كبار الصحابة فمقصودهم المشايخ الثلاثة وغيرهم من العشرة المبشرة، هذه الطبقة ـ ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات، مشهور»(1).
فإذا كان كبار الصحابة يرجعون إلى علي في معضلاتهم، ويأخذون بقوله. ولم نجد ـ ولا مورداً واحداً ـ رجع فيه علي إلى واحد منهم، أو احتاج الأخذ عن أحدهم، فماذا يحكم عقلنا؟ وكيف تحكمون؟
جهل المشايخ وأعلام الصّحابة
لقد كان الإمام عليه السّلام هو المرجع الأعلى للمشايخ في المعضلات كما نصّ النووي، لكنّهم رجعوا كذلك إلى عدّة من الصّحابة في موارد كثيرة ـ يذكرها ابن حزم الأندلسي في كلام له طويل ـ فيها جهل الصحابة وكبار الأصحاب بمسائل الدين، ورجوعهم إلى غيرهم.
يقول ابن حزم:
ووجدناهم ـ أي الصحابة ـ يقرّون ويعترفون بأنّهم لم يبلغهم كثير من السنن، وهكذا الحديث المشهور عن أبي هريرة ـ لاحظوا هذا الحديث المشهور عن أبي هريرة ـ يقول: إنّ إخواني من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإنّ إخواني من الأنصار كان يشغلهم القيام على أموالهم».
وعلي ما شغله الصفق في الأسواق، ولم يشغله القيام بأمواله، وإنّما لازم رسول اللّه ليلاً ونهاراً، ولذا لم يثبت رجوعه إلى غير رسول اللّه ولا في مورد واحد.
يقول ابن حزم:
وهذا أبو بكر لم يعرف فرض ميراث الجدّة وعرّفه محمّد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة ]فاحتاج مثل أبي بكر إلى المغيرة بن شعبة في حكم شرعي!! [وهذا أبو بكر سأل عائشة في كم كفّن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله».
وهكذا يذكر موارد أُخرى عنه، حيث جهل القضايا ورجع إلى غيره.
ثمّ يقول:
وهذا عمر يقول في حديث الاستئذان: أُخفي عَلَيّ، ألهاني الصفق في الأسواق، وقد جهل أيضاً أمر إملاص المرأة وعرّفه غيره، وغضب على عيينة بن حصن حتّى ذكّره الحر بن قيس، وخفي عليه أمر رسول اللّه بإجلاء اليهود، وخفي على أبي بكر قبله، وخفي على عمر أمره بترك الإقدام على الوباء وعرف ذلك عبدالرحمن بن عوف، وسأل عمر أبا واقد الليثي عمّا كان يقرأ به رسول اللّه ] وهذا طريف جدّاً[ في صلاتي الفطر والأضحى، هذا وقد صلاّهما رسول اللّه أعواماً كثيرة، وعمر جهل إنّ رسول اللّه أيّ سورة كان يقرأ في هاتين الصلاتين وسأل أبا واقد الليثي!!
ثمّ يقول ابن حزم:
ولم يدر]أي عمر[ ما يصنع بالمجوس حتّى ذكّره عبدالرحمن بأمر رسول اللّه، ونسي قبوله الجزية من مجوس البحرين وهو أمر مشهور، ولعلّه قد أخذ من ذلك المال حظّاً كما أخذ غيره، ونسي أمره بتيمّم الجنب فقال: لا يتيمّم أبداً ولا يصلّي ما لم يجد الماء، وذكّره بذلك عمّار، وأراد قسمة مال الكعبة حتّى ذكّره بعض الصحابة.
ثمّ ينتقل ابن حزم إلى عثمان وغيره فيقول: وهذا عثمان…، وهذه عائشة…، وهذه حفصة…، وهذا ابن عمر…، وهذا زيد بن ثابت… .
هذا النص تجدونه في ]الإحكام في أصول الأحكام[(2.(
لولا علي لهلك عمر:
وأمّا كلمة عمر بن الخطّاب: لولا علي لهلك عمر، فإن هذه الكلمة جرت مجرى الأمثال، سمع بها الكل حتّى الأطفال.
وكذا قوله: لا أبقاني اللّه لمعضلة لست لها يا أبا الحسن.
وروى كلمة: لولا علي لهلك عمر في واقعة:
1 ـ عبدالرزاق بن همّام.
2 ـ عبد بن حميد.
3 ـ ابن المنذر.
4 ـ ابن أبي حاتم.
5 ـ البيهقي.
6 ـ ابن عبدالبر.
7 ـ المحب الطبري.
8 ـ المتقي الهندي في كنز العمال (3).
وفي مورد آخر أيضاً قال هذه الكلمة ـ لولا علي لهلك عمر ـ وذلك المورد قضية المرأة المجنونة التي زنت فهمّ عمر برجمها، وتلك القضية رواها:
1 ـ عبدالرزاق.
2 ـ البخاري.
3 ـ الدارقطني.
وغيرهم من كبار الأئمّة(4).
وقد قالها في موارد أُخرى، لا نطيل بذكرها.
ولا بأس بذكر كلمة المناوي بهذا الصدد، يقول المناوي في شرح قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «علي مع القرآن والقرآن مع علي لن يفترقا حتّى يردا عَلَيّ الحوض»، وهذا حديث أيضاً وارد عن رسول اللّه، يقول:
أخرج أحمد: إنّ عمر أمر برجم امرأة، فمرّ بها علي فانتزعها، فأُخبر عمر، فقال عمر: ما فعله إلاّ لشيء، فأرسل إليه فسأله، فقال علي: أما سمعت رسول اللّه يقول: «رفع القلم عن ثلاث…. قال: نعم، فقال عمر: لولا علي لهلك عمر.
قال المناوي:
واتفق له مع أبي بكر نحوه ـ أي اتفق إنّ أبا بكر أيضاً همّ بمثل هذه القضية وعلي منعه واستسلم لقول علي ـ وربّما قال: لولا علي لهلك أبو بكر(5).
كما أنّا وجدنا في بعض المصادر مورداً عن عثمان قال فيه: لولا علي لهلك عثمان(6).
إذن، مَنِ المتمكن من إقامة الحجج والبراهين ودفع الشبه؟
نحن الآن في القرن الرابع عشر أو في القرن الخامس عشر، ومن أين نعرف حالات علي وأحوال أبي بكر، ونحن نريد أن نختار أحدهما للإمامة على مسلك القوم؟
أليس طريقنا ينحصر بالإطلاع على هذه القضايا لنعرف من الذي توفّر فيه الشرط الأول المتفق عليه، والمجمع عليه بين العلماء من المسلمين، فهذا علي وهذه قضاياه، وهذه هي الكلمات الواردة في حقّه، وهذا رجوع غيره إليه، وعدم رجوعه إلى غيره، أي إنّه كان مستغنياً عن الغير وكان الآخرون محتاجين إليه.
انتشار العلوم الإسلامية بالبلاد بواسطة الإمام علي وتلامذته:
ولذا نرى أنّ العلوم الإسلاميّة كلّها قد انتشرت بالبلاد الإسلاميّة بواسطة علي وتلامذته من كبار الصحابة، وهذا أمر قد حقّقناه في موضعه في بحث مفصل، لأنّ البلاد الإسلاميّة في ذلك العصر كانت: المدينة المنوّرة، ومكة المكرمة، والبصرة، والكوفة، واليمن، والشام.
وقد دقّقنا النظر وحقّقنا في الأمر، ورأينا أنّ العلوم انتشرت في جميع هذه البلدان عن علي عليه السّلام.
أمّا في المدينة والكوفة، فقد عاش علي في هاتين المدينتين وأفاد فيهما الناس بعلومه.
أمّا الكوفة، فقبل مجيء علي إليها كان فيها عبداللّه بن مسعود.
والشام، فكان عالمها الأكبر أبو الدرداء، وأبو الدرداء تلميذ عبداللّه بن مسعود، وعبداللّه بن مسعود تلميذ علي عليه السّلام.
وأمّا البصرة ومكة المكرمة، فانتشرت العلوم في هاتين البلدتين أو هذين القطرين بواسطة عبداللّه بن عباس، وعبداللّه بن عباس تلميذ علي عليه الصلاة والسّلام.
وهنا نصوص سَجَّلتها فيما يتعلّق بهذا الموضوع من ذلك البحث الذي حقّقت فيه هذه القضية، ولكن لا أُريد أنْ أقرأ تلك النصوص لئلاّ يطول بنا المجلس.
وأمّا اليمن، فقد سافر إليها علي عليه السّلام بنفسه أكثر من مرّة، وقبيلة همدان أسلمت عَلى يده.
فكان حديث مدينة العلم، وحديث أنا دار الحكمة، وغير هذين الحديثين، وما ورد في تفسير قوله تعالى: (وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) وشهادات كبار الصحابة، وشهادات كبار العلماء في القرون المختلفة، وأيضاً انتشار العلوم بواسطة علي، كلّ هذه الأُمور كانت أدلّة على أنّ المبرّز في هذا الميدان هو علي عليه السّلام، فالشرط الأول إنّما توفّر في علي دون غيره.
ولدلالة هذه الأُمور على تقدّم علي على غيره من الأصحاب، يضطر القوم إلى التحريف والتكذيب، فإنكم إذا راجعتم ]صحيح الترمذي[ لا تجدون فيه حديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها»، مع رواية غير واحد من الحفاظ الأعلام كابن الأثير والسيوطي وابن حجر هذا الحديث عنه!
وهكذا يضطرّ ابن تيميّة أنْ يكذّب كلّ هذه الأُمور، حتّى أنّ كون ابن عباس تلميذاً لعلي يكذّبه ابن تيميّة، حتّى أخذ عبداللّه بن مسعود عن علي يكذّبه، وحديث مدينة العلم يكذّبه، وهكذا الأحاديث الأُخرى التي ذكرت بعضها.
يقول بالنسبة إلى حديث: «هو الأُذُن الواعية» يقول: إنّه حديث موضوع باتفاق أهل العلم.
وحديث «أقضاكم علي» يكذّبه ابن تيميّة، حتّى يقول: هذا الحديث لم يثبت، وليس له إسناد تقوم به الحجة، لم يروه أحد في السنن المشهورة، ولا المسانيد المعروفة، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف(7).
وقد ذكرنا أنّه في البخاري، وفي سنن النسائي، سنن ابن ماجة، وفي الطبقات لابن سعد، وفي مسند أحمد، وغيرها من الكتب.
وتكذيب ابن تيمية هوالآخر دليل على ثبوت هذه القضايا، وعلى تقدم علي في هذا الشرط على غيره.
وتلخّص، أنّه إذا كان العلم بالأصول والفروع، وإذا كان التمكن من إقامة الحجج والبراهين ودفع الشبه، هو الشرط الأول المتفق عليه بين المسلمين في الإمام الذي يريد المسلمون أن يختاروه على مسلك الإختيار، فهذا الشرط موجود في علي دون غيره.
فأيّ حديث يروونه في حقّ أبي بكر في مقابل هذه الأدلّة وغيرها؟
يروون حديثاً ينسبونه إلى رسول اللّه «ما صبّ اللّه في صدري شيئاً إلاّ وصببته في صدر أبي بكر».
إن كان هذا الحديث صدقاً، فلماذا يقول ابن حزم جهل كذا فرجع إلى فلان، جهل كذا فرجع إلى فلان، جهل كذا فرجع إلى فلان.
لكنّ هذا الحديث أدرجه ابن الجوزي في كتاب الموضوعات ونصّ على أنّه كذب(8).
ولا يوجد حديث آخر في باب العلم يروونه بحق أبي بكر سوى هذا الحديث الذي ذكرته.
قال اللّه تعالى: (كَيْفَ تَحْكُمُونَ).
(1) تهذيب الأسماء واللغات 1 / 344 ـ 346.
(2) الإحكام في أصول الأحكام، المجلّد الأوّل الجزء 2 / 151 ـ 153.
(3) الإستيعاب 3 / 1103، الرياض النضرة 4 / 194.
(4) فيض القدير 4 / 357.
(5) فيض القدير 4 / 357.
(6) زين الفتى في شرح سورة هل أتى 1 / 317 رقم 225.
(7) منهاج السنّة 7 / 512.
(8) كتاب الموضوعات لابن الجوزي 1 / 219، الأخبار الموضوعه: 454 للملاّ علي القاري.