المطلب الأوّل: في أصل البكاء عليه:
أخرج أحمد، عن نَجِيّ، أنّه سار مع عليٍّ رضي اللَّه عنه، وكان صاحب مطهرته، فلمّا حاذى نينوى وهو منطلق إلى صِفّين، فنادى عليٌّ رضي اللَّه عنه: اصبر أبا عبد اللَّه! اصبر أبا عبد اللَّه بشطّ الفرات!
قلت: وماذا؟!
قال: دخلتُ على النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم ذات يوم وعيناه تفيضان…(1).
قال الهيثمي: «رواه أحمد وأبو يعلى والبزّار والطبراني، ورجاله ثقات، ولم ينفرد نجيٌّ بهذا»(2).
وأخرج الطبراني، عن أُمّ سلمة، قالت: «كان رسول اللَّه جالساً ذات يوم في بيتي، فقال: لا يدخل علَيَّ أحد!
فانتظرت، فدخل الحسين رضي اللَّه عنه، فسمعت نشيج رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يبكي، فاطّلعت فإذا حسين في حجره والنبيّ يمسح جبينه وهو يبكي، فقلت: واللَّه ما علمت حين دخل.
فقال: إنّ جبرئيل عليه السلام كان معنا في البيت، فقال: تحبّه؟
قلت: أمّا من الدنيا فنعم. قال: إنّ أُمّتك ستقتل هذا بأرضٍ يقال لها:
كربلاء. فتناول جبريل عليه السلام من تربتها فأراها النبيّ…»(3).
قال الهيثمي: «رواه الطبراني بأسانيد، ورجال أحدها ثقات»(4).
وأخرجه الحاكم النيسابوري في «المستدرك»(5).
المطلب الثاني: في تكرار البكاء عليه واستمراره:
قال الإمام السجّاد زين العابدين عليه السلام لمّا سُئل عن كثرة بكائه على أبيه واستمراره على ذلك، في ما رواه الحافظ أبو نُعيم:
«لا تلوموني! فإنّ يعقوب فقد سبطاً من وُلده، فبكى حتّى ابيضّت عيناه ولم يعلم أنّه مات؛ وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلًا من أهل بيتي في غزاة واحدةٍ، أفترون حزنهم يذهب من قلبي؟!»(6).
فالإمام عليه السلام استشهد بقصّة يعقوب، وكثرة بكائه واستمراره على ذلك كلّما ذكره… كما في القرآن الكريم… حتّى ابيضّت عيناه…
والنبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم لمّا أمر بالبكاء على سيّدنا حمزة عليه السلام، جعل الناس يبكون حمزة كلّما أرادوا البكاء على قتلاهم أو موتاهم، والنبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يقرّهم على ذلك… قالوا:
فكانت هذه سُنّة عند المسلمين في المدينة المنوّرة، وكانت عادة باقية مستمرّة لقرون كثيرة، قال الحاكم: «وإلى يومنا هذا»(7).
النياحة والجزع على الحسين علیه السلام
لقد أفتى فقهاؤنا بجواز النياحة والجزع على كلّ ميّتٍ من المسلمين، قال السيّد اليزدي في «العروة»: «يجوز النوح على الميّت بالنظم والنثر ما لم يتضمّن الكذب…»(8).
قال: «وأمّا البكاء المشتمل على الجزع وعدم الصبر، فجائز ما لم يكن مقروناً بعدم الرضا بقضاء اللَّه؛ نعم، يوجب حبط الأجر، ولا يبعد كراهته»(9).
هذا، وقد ورد في خصوص الجزع على سيّد الشهداء عليه السلام ما يدلّ على عدم الكراهية؛ فقد روى الشيخ عن المفيد، بإسناده عن أبي عبد اللَّه عليه السلام:
«كلّ الجزع والبكاء مكروه سوى الجزع والبكاء على الحسين عليه السلام»(10).
(1) مسند أحمد 1/ 75، وانظر: مسند أبي يعلى 1/ 298 ح 103.
(2) مجمع الزوائد 9/ 187.
(3) المعجم الكبير 3/ 108 ح 2819.
(4) مجمع الزوائد 9/ 189.
(5) المستدرك على الصحيحين 3/ 194 ح 4818.
(6) حلية الأولياء 3/ 138.
(7) المستدرك على الصحيحين 1/ 537 ح 1407.
(8) العروة الوثقى 1/ 329 المسألة 1.
(9) العروة الوثقى 1/ 329 المسألة 2.
(10) الأمالي- للشيخ الطوسي-: 162 ح 268.