بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه وأشرف بريّته محمدٍ وآله الطاهرين
لابدّ من ذكر أمرين قبل الورود في الإجابة عن الأسئلة:
الأمر الأوّل: إنّ أئمّتنا (عليهم الصلاة والسلام) منصوبون من قِبَل الله سبحانه وتعالى لهداية البشريّة إمتداداً لرسالة جدّهم (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فإنّ الله تعالى يقول: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ(، هذا هو الأمر الأوّل، باختصار طبعاً.
الأمر الثاني: إنّ أئمّتنا (عليهم الصلاة والسلام) عبادٌ لله ولكن (عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ(، هذا حال أئمّتنا (عليهم الصلاة والسلام) والإمام الحسين ثالثهم (صلوات الله عليهم أجمعين). الإمام الحسين (عليه الصلاة والسلام) ما فعل إلّا بما أُمر به من قِبَل الله سبحانه وتعالى وتدلّ على ذلك أيضاً أقواله وأفعاله وخُطَبه والروايات المرويّة عنه.
ـ السؤال الأوّل المطروح، أنّه:
إلى أيّ مدى كان الإمام الحسين (عليه السلام) مستعدّاً للبذل والعطاء يوم عاشوراء؟
وهذا سؤالٌ جيّد، تجدون الجواب عن هذا السؤال ولو بنحو الإشارة في المطلبين اللذين ذكرتهما من قبل، وتوضيح ذلك:
إنّ الهدف من بذل الإمام (عليه السلام) ما بذل، هو تحقيق الإصلاح في أُمّة جدّه (صلّى الله عليه وآله) وقد صرّح بذلك، قال: «إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي» وفي زياراتنا لهم نخاطب الله سبحانه وتعالى ونقول: «بذل مهجته فيك ليستنقض عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة»، إذن وقع في الأُمّة إنحرافٌ عن الطريق الذي رسمه النبي (صلّى الله عليه وآله) للأُمّة من بعده، وحصل في الأُمّة فسادٌ كبير كان يقتضي أن يخرج الإمام (عليه السلام) لإزالة ذلك الفساد ولتحقيق الصلاح والإصلاح في الأُمّة، وبطبيعة الحال عندما يكون للإنسان أيّ إنسان، أن يكون له هدف، يبذل من أجل تحقيق ذلك الهدف لابدّ وأن يكون بذله متناسباً مع ذلك الهدف، إلى أن يتحقّق، ولو كان الهدف المطلوب والمقصود من الإمام الحسين (عليه السلام) بأمر الله ورسوله يقتضي البذل الأكثر ممّا بذل، لبذل (عليه الصلاة والسلام) حتّي يتحقّق ذلك الهدف، إنّما الكلام في ذلك الفساد، إنّما الكلام في تلك الضلالة الحاصلة في الأُمّة، التي بذل الإمام (عليه الصلاة والسلام) من أجل الإصلاح، من أجل إرجاع الأُمّة إلى طريق الصلاح، فما هي تلك الضلالة؟ وما هو ذلك الفساد الحاصل الذي كان ولابدّ أن يُرفع؟ الجواب في نفس كلام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في الحديث المتواتر بين المسلمين، وذلك قوله (صلّى الله عليه وآله) «إنّي مخلّفٌ فيكم ما إن تمسكّتم به لن تضلّوا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي»، الأُمّة لن تعمل بهذه الوصيّة وكان حديثاً متواتراً بين المسلمين وله أسانيد لا تُحصى كثرةً، وقد ألّفت في هذا الحديث كتاباً في ثلاثة أجزاء ضخام، في أسانيده ودلالاته، إذن قد فارقت الأٌمّة الكتاب والعترة وجانبت هذين الثقلين اللذين تركهما رسول الله من أجل الإبقاء على هداية الأُمّة، فكان الهدف الأصلي إرجاع الأُمّة إلى الكتاب والعترة وكان الفساد يكمن في مفارقة الأُمّة للكتاب والعترة، وهذا هو الهدف ويستحقّ هذا الهدف لأن يُبذل في سبيل تحقّقه ما بُذل من الإمام الحسين (عليه السلام) ومن أبيه وأُمّه وأخيه ومن الأئمّة من بعده (عليهم الصلاة والسلام)، فهذا باختصار جواب السؤال الأوّل.
ـ السؤال الثاني:
هل كان لشخصية الإمام تأثيرٌ في ما وصل إليه أنصاره؟
نعم، شخصية الإمام لها تأثير، ما سمعه القوم أي الأنصار من النبي (صلّى الله عليه وآله) فيه تأثيرٌ، معرفتهم للإمام (عليه الصلاة والسلام) فيه تأثيرٌ، كلّ هذا له أثرٌ في بذل الأنصار ما بذلوا وفي وقوفهم إلى جنبه إلى آخر لحظة، في أنصار الحسين (عليه الصلاة والسلام) جماعةٌ من صحابة رسول الله، في أنصار الحسين (عليه السلام) جماعةٌ من العلماء، من قرّآء القرآن، من المحدّثين، هؤلاء كانوا عارفين بحقّ الإمام (عليه الصلاة والسلام) ووقفوا إلى جنبه إلى آخر لحظته، كما وقفوا، وكما يحدّثنا التاريخ وتحدّثنا الأخبار.
ـ السؤال الثالث:
صور البطولة والايثار لأصحاب الحسين (عليه السلام) لا تكاد تحصى، هلا حدثتمونا عن بعضٍ منها؟
لابد وأنّكم سمعتم وقرأتم طرفاً من هذه البطولات في المجالس، في الكتب.
الإيثار من الأصحاب على قسمين:
من ذلك ما ظهر قبل يوم العاشور ومن ذلك ما ظهر في يوم عاشوراء، ويكفيكم ما ترويه الأخبار عن أقوالهم في ليلة عاشوراء، وهم يعلمون بأنّ غداً يوم المصير، يوم الجهاد، يوم التضحية، تلك أقوالهم فيما بينهم ومع الإمام (عليه السلام) ومع أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام)، خاصّةً لمّا قال لهم انصرفوا «فإنّ القوم لا يريدون غيري»، لمّا سمعوا هذا الكلام من الإمام (عليه الصلاة والسلام) ماذا قالوا؟ تلك كلماتهم مذكورة في الكتب وهل وجدتم أصحاباً كأصحاب الحسين (عليه الصلاة والسلام) في التاريخ وذلك ما نصّ عليه الإمام بحقّهم.
ـ السؤال الرابع:
انتهاكات حقوق الإنسان من قِبَل السلطة الدكتاتورية هي إحدى أهمّ دوافع الامام الحسين (عليه السلام) للثورة، هل نحج الإمام في هذا المجال؟
جواب هذا السؤال باختصار يرجع إلى ترك الأُمّة للكتاب والعترة، أو بعبارةٍ أُخرى إلى ترك الأُمّة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وكلّ أُمّةٍ وكلّ مجتمعٍ إسلاميٍّ ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لشاع الفساد في ذلك المجتمع ولتسلّط على ذلك المجتمع من لا يرحمهم، ويسير معهم بسيرة الدكتاتورية، وهذا موجود في الروايات كثير، وفي كلمات أميرالمؤمنين (عليه الصلاة والسلام) بالخصوص وأيضاً في كلمات الحسين (عليه الصلاة والسلام) نفسه، هذا موجود. إذن لابدّ من إصلاح المجتمع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا قامت الأُمّة وأفراد الأُمّة بهذا الواجب الديني لرجع الصلاح والفلاح والرشاد إلى الأُمّة وهذه أُمور واضحة والأدلّة عليها كثيرة.
ـ السؤال الخامس:
الفضائع التي ارتكبها الجيش الأُموي في واقعة كربلاء ألا تشير إلى إستهتار الأُمويين وعدم إعترافهم بكل حقوق الإنسان بما فيها حق الحياة؟
نعم، تشير إلى هذه المعنا، ولكنّ الأصل في ذلك هو معاوية وأصحاب معاوية، هم الذين أسسوا وهذه الفضايع في الحقيقة هو الأصل لها وبإمكانكم أن تراجعوا كتب التاريخ وتقرأوا عهد معاوية والقضاياء الواقعة في حياته وفي زمانه، يكفيكم أن تقرأوا كتاب الغارات وهو من كتب القدماء أو اقرأوا كتاب مقاتل الطالبيين وما وقع على خصوص ذريّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في تلك الأزمنة، فالجيش الأُموي في كربلاء والفضايع التي صدرت من هذا الجيش في كربلاء الأصل فيها ما كان في زمن معاوية وهو المؤسس لهذا الطريق.
ـ السؤال السادس:
مارست السلطات الأُموية عمليات تهجير واسعة للمعارضين، وطاردت آخرين، ألا يخالف ذلك حقوق الإنسان الواردة في القرآن وفي القانون الدولي؟
عند جميع العقلاء حتي بين غير المسلمين أيضاً هذه الممارسات،نراها مماراسات غير إنسانيّة والعقلاء كلّهم يذمّون القائمين بهذه الممارسات.
ـ السؤال السابع:
لماذا يصرّ الإمام الحسين (عليه السلام) في خطبته، وفي سلوكه العملي، على أنّ عدم المواجهة لقمع السلطة هو سببٌ لتماديها في انتهاك حقوق الناس؟
نعم، ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو السبب ولذا نجد في كلماته (عليه الصلاة والسلام) هذا المعني والتأكيد عليه أنّه يريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأيّ معروفٍ أفضل من العمل بالكتاب واتّباع العترة الطاهرة، وهل يوجد معروفٌ أفضل من العمل بالقرآن واتّباع أهل البيت؟!
ـ السؤال الثامن:
الفرق بين إقدام الحسين (عليه السلام) على سقاية جيش الحر ابن يزيد الرياحي الذي جاء لقطع الطريق عليه، وبين قطع الأُمويين الماء والطعام على أطفال الحسين ونساءه، ماذا يعكس؟ وماذا يمثّل؟
قرأت في مطالعاتي القديمة في كتاب وفيات الأعيان لابن خلّكان وهو فقيهٌ شافعيٌ جمع في هذا الكتاب تراجم علماء وشعراء وشخصيّات في الإسلام، من جملة الأُمور التي يذكرها بترجمة أحد العلماء هو أنّ أحد الناس وقع في قلبه هذا السؤال أنّه كيف أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) لمّا فتح مكّة قال للذين قاتلوه وشرّدوه وأخرجوه من مكّة قال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» بعد أن تسلّط عليهم وسيطر على الوضع قال لهم: «إذهبوا» عفى عنهم، كلّهم، ولكنّ القوم لمّأ تسلّطوا وفي يوم عاشوراء قصدوا إبادة أهل البيت، وقع في قلب هذا الرجل هذا السؤال، فرأى أميرالمؤمنين في تلك الليلة في عالم المنام، قال له أميرالمؤمنين جوابك عند فلان العالم السنّي، راجعه يعطيك الجواب، فراجع ذلك العالم وإذا به قد نظم في تلك الليلة بيتاً يقول:
مَلكْنا فكان العَفْو منَّا سَجيَّةً
ولمَّا ملكْتُمْ سالَ بالدَّمِ أبْطَحُ
فحسْبُكُمُ هذا التَّفاوتُ بيْنَنا
وكلُّ إِناءٍ بالذي فيهِ يَنْضَحُ
هذا هو الفرق الذي سألتم عنه، هذا موجود في كتاب وفيات الأعيان بترجمة أحد العلماء السابقين.
ـ السؤال التاسع:
هل ينطبق تعامل الأُمويين مع نساء الحسين مع الشريعة الاسلامية، خاصة وهنّ عائلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي يحكمون باسمه؟
كيف ينطبق ما واجهه أهل البيت وعائلة الحسين (عليه الصلاة والسلام) من هؤلاء الطغات؟ لقد عاملوا عائلة الحسين معاملةً يُدينها كلّ العقلاء فضلاً عن المسلمين. الشريعة الإسلامية التي لا تسمح بوقوع الظلم على نملةٍ وأميرالمؤمنين (عليه السلام) يُقسم ويقول: «لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت».
ـ السؤال العاشر:
هل أثّرت مواقف نساء الأنصار على أزواجهنّ وأولادهنّ وعموم المقاتلين؟
نعم، هذا مذكور في كتب المقتل والتفصيل بأقلّ مراجعةٍ يظهر، وهذه قضاياء تاريخية موجودة، يرويها العامّة والخاصّة.
ـ السؤال الحادي عشر:
واقعة الطف كشفت عن دورٍ سياسيٍ وإعلاميٍ مؤثر للمرأة، ما هي أبعاد هذا الدور؟
هذا الجواب يحتاج إلى وقتٍ آخر وإلى مجالٍ أوسع، دور سيّدتنا خديجة أُمّ المؤمنين، دور سيّدتنا فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين، دور سيّدتنا زينب (سلام الله عليها) في حادثة كربلاء، هذا يحتاج إلى تفصيل، يحتاج إلى شرح، ماذا كان دور خديجة (سلام الله عليها) وماذا كان دور الزهراء (سلام الله عليها) في صدر الإسلام، وقد ورثت زينب من أُمّها كلّ الذي جرى عليها وصار، مضافاً إلى قضيّة السبي وما كان من السيّدة زينب (سلام الله عليها) في الشام، ذكرت جانباً منه في كتابي «من هم قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)»، هذا الكتاب مطبوع، فما كان منها من خُطبها ومن مواقفها الذي له دورٌ كبير في نتيجة شهادة الحسين واستشهاد أصحابه (عليهم الصلاة والسلام)، ولولا ما كان من السيّدة زينب (سلام الله عليها) لعلّه لم يترتّب هذا الأثر الكبير الذي ترتّب على واقعة كربلاء وعاشوراء.
وهنا أسئلة:
ـ إلى أيّ مدى أسهمت الأُم المؤمنة في شحذ همم الشباب للقتال؟
ـ حتى في مسيرة السبايا كان الأطفال يتعرّضون لتعذيبٍ وترويعٍ شديدين، ماذا يعكس ذلك؟
ـ معروفٌ أنّ رقية (عليها السلام) توفّيت بعد أن أرسل إليها يزيد رأس أبيها، ألا تعتبر هذه عملية قتل متعمّد؟ وكيف يتعامل القانون الدولي والإنساني معها؟
ـ ما هي عقوبة من ارتكب جرائم قتل الأطفال في كربلاء طبقاً للإعلان الدولي لحقوق الانسان؟
فهذه أسئلة ما أظنّ أنّ الجواب عن هذه الأسئلة يخفى على أحد حتّى يحتاج أن أذكر شيئاً أو أوضّح أمراً مبهماً في هذا المورد.
السؤال الآخر:
ماذا يعني الامام الحسين (عليه السلام) بقوله «لا أرى الموت إلّا سعادة»، أي سعادة يقصد أو يريد (عليه السلام)؟
الموت في سبيل الله سبحانه وتعالى، الموت عملاً بأمر الله سبحانه وتعالى، الموت تطبيقاً لإرادة المولى سبحانه وتعالى، هذا موت سعادة. الموت الذي يكون في سبيل الباطل، الموت الذي يكون في سبيل الجور والظلم، الموت الذي يكون في سبيل غصب الحقوق، ذلك الموت موت شقاوة، موت السعادة هو الموت الذي يكون في سبيل الله، أمّأ هذه السعادة لها مراتب، والموت في سبيل الله له أنواع وأشكال ومراتب ومنازل، وأيّ منزلة أرفع وأجل من منزلة الحسين (عليه الصلاة والسلام) وأيّ سعادة حصل عليها أحدٌ مات في سبيل الله كما حصل للحسين (سلام الله عليه) حتّى أعطاه الله سبحانه وتعالى هذه المنزلة الرفيعة والشأن العظيم وجعل الشفاء في تربته، جعل استجابة الدعاء تحت قبّته، جعل الأئمّة (عليهم الصلاة والسلام) من وُلده، وتلك كلمات رسول الله في حقّ الحسين، تلك كلمات أميرالمؤمنين وتلك كلمات أعلام العلماء من المسلمين على مختلف الطوائف والفِرَق وتلك أقوال غير المسلمين بحقّ الحسين (عليه الصلاة والسلام) وإلى يومنا هذا، من العلماء والمحقّقين والمثقّفين.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثبّتنا على طريق أهل البيت (عليهم السلام) وأن يجعلنا في هذا السبيل ومن أهل هذا الصراط المستقيم، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقنا لخدمة الكتاب والعترة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.