الأحاديث في هذا الباب كثيرة، حتى أن عدّةً من علماء الفريقين دوّنوها في كتب مفردة، وقد انتخبت من تلك الأحاديث مجموعة سأقرؤها عليكم، وسترون أن مصادرها من أقدم المصادر وأهمّها:
الحديث الأول:
«فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة» أو «سيّدة نساء هذه الأُمّة» أو «سيّدة نساء المؤمنين» أو «سيّدة نساء العالمين».
هذا الحديث بألفاظه المختلفة موجود في: [صحيح البخاري] في كتاب بدء الخلق، وفي [مسند أحمد]، وفي [الخصائص] للنسائي، وفي [مسند أبي داود الطيالسي]، وفي [صحيح مسلم] في باب فضائل الزهراء، وفي [المستدرك]، و [صحيح الترمذي]، وفي [صحيح ابن ماجة]، وغيرها من الكتب1.
ففاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين.
الحديث الثاني:
في أن فاطمة سلام اللَّه عليها بضعة من النبي:
«فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني».
هذا الحديث بهذا اللفظ في: [صحيح البخاري]، وعدّة من المصادر2.
«فاطمة بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها».
بهذا اللفظ في: [صحيح البخاري]، و [مسند أحمد]، و [صحيح أبي داود]، و [صحيح مسلم]، وغيرها من المصادر3.
«إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها».
بهذا اللفظ في: [صحيح مسلم]4.
«إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها».
بهذا اللفظ في: [مسند أحمد] وفي [المستدرك] وقال: صحيح على شرط الشيخين، وفي [صحيح الترمذي]5.
«فاطمة بضعة منّي يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها».
بهذا اللفظ في: [المسند]، وفي [المستدرك] وقال: صحيح الإسناد، وفي مصادر أُخرى6.
الحديث الثالث:
«إن اللَّه يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها».
هذا الحديث تجدونه في: [المستدرك]، وفي [الإصابة]، ويرويه صاحب [كنز العمال] عن أبي يعلى والطبراني وأبي نعيم، ورواه غيرهم7.
الحديث الرابع:
في أنّ النبي أسرّ إليها أنّها أوّل أهل بيته لحوقاً به.
هذا كان عند وفاته صلّى اللَّه عليه وآله وسلم، فإنّه دعاها فسارّها فبكت، ثمّ دعاها فسارّها فضحكت [في بعض الألفاظ: فشقّ ذلك على عائشة أن يكون سارّها دونها] فلمّا قبض رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم حلّفتها عائشة أنْ تخبرها، فقالت: سارّني رسول اللَّه أو سارّني النبي، فأخبرني أنّه يقبض في وجعه هذا فبكيتُ، ثمّ سارّني فأخبرني أنّي أوّل أهل بيته أتْبعه فضحكتُ.
هذا الحديث في: الصحيحين، وعند الترمذي والحاكم، وغيرهما8.
الحديث الخامس:
عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها غير أبيها.
هذا الحديث تجدونه في: [المستدرك] وقال: صحيح على شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي، وفي [الاستيعاب]، و [حلية الأولياء]9.
الحديث السادس:
عن عائشة أيضاً: كانت إذا دخلت عليه- على رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم- قام إليها فقبّلها ورحّب بها وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي أيضاً10.
الحديث السابع:
أخرج الطبراني أنّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم قال لعلي: «فاطمة أحبّ إليّ منك وأنت أعزّ عليّ منها».
قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح11.
هذه هي الأحاديث التي انتخبتها، لتكون مقدمةً لبحوثنا الآتية، وسنستنتج من هذه الأحاديث في المطالب اللاحقة، وفي الحوادث الواقعة، وهي أحاديث- كما رأيتم- في المصادر المهمّة بأسانيد صحيحة، ودلالاتها أيضاً لا تقبل أيّ مناقشة.
ومن دلالات هذه الأحاديث: أنّ فاطمة سلام اللَّه عليها معصومة، بالإضافة إلى دلالة أية التطهير وغيرها من الأدلّة.
مضافاً إلى أن غير واحد من حفّاظ القوم وكبار علمائهم قالوا بأفضليّة الزهراء سلام اللَّه عليها من الشيخين، بسبب هذه الأحاديث وحديث «فاطمة بضعة منّي» بالخصوص، بل قال بعضهم بأفضليّتها من الخلفاء الأربعة كلّهم، ولا مستند لهم إلّا الأحاديث التي ذكرتها.
ولأقرأ لكم عبارة المنّاوي وكلامه المشتمل على بعض الأقوال من كبارعلماء القوم، ففي [فيض القدير] في شرح حديث «فاطمة بضعة منّي» قال: استدل به السهيلي [وهو حافظ كبير من علمائهم، وهو صاحب شرح سيرة ابن هشام وغيره من الكتب] على أن من سبّها كفر [ولماذا؟ لاحظوا] لأنّه يغضبه [أي لأنّ سبّها يغضب رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم!] وأنّها أفضل من الشيخين.
وإذا كانت هذه اللام لام تعليل «لأنّه يغضبه»، والعلة إمّامعمّمة وإمّا مخصّصة، ولابد أن تكون هنا معمّمة، يوجب الكفر، لأنّه أيالسب يغضبها، فيكون أذاها أيضاً موجباً للكفر، لأن الأذى- أذى الزهراء سلام اللَّه عليها- يغضب رسول اللَّه بلا إشكال.
قال المناوي: قال ابن حجر: وفيه- أيفي هذا الحديث- تحريم أذى من يتأذّى المصطفى بأذيّته، فكلّ من وقع منه في حقّ فاطمة شيء فتأذّت به فالنبي صلّى اللَّه عليه وآله وسلم يتأذّى به بشهادة هذا الخبر، ولا شيء أعظم من إدخال الأذى عليها في ولدها، ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة بالدنيا ولعذاب الآخرة أشد.
ففي هذا الحديث تحريم أذى فاطمة، وتحريم أذى فاطمة لأنّها بضعة من رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله، بل هو موجب للكفر كما تقدّم.
وقال المناوي: قال السبكي: الذي نختاره وندين اللَّه به أنّ فاطمة أفضل من خديجة ثمّ عائشة.
قال المناوي: قال شهاب الدين ابن حجر: ولوضوح ما قاله السبكي تبعه عليه المحققون.
قال المناوي: وذكر العَلَم العراقي: إنّ فاطمة وأخاها ابراهِيم أفضل من الخلفاء الأربعة باتفاق12.
إذن، لا يبقى خلاف بيننا وبينهم في أفضلية الزهراء من الشيخين، وأن أذاها موجب للدخول في النار.
ثمّ إنّ هذه الأحاديث مطلقة ليس فيها أيقيد، عندما يقول رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم: «إنّ اللَّه يغضب لغضب فاطمة» لا يقول إنّ كانت القضية كذا، لا يقول بشرط أن يكون كذا، لا يقول إنّ كان غضبها بسبب كذا، ليس في الحديث أيّ تقييد، إن اللَّه يغضب لغضب فاطمة، بأي سبب كان، ومن أيّ أحدٍ كان، وفي أيّ زمان، أو أيّ وقت كان. وعندما يقول: «يؤذيني ما آذاها»، لا يقول رسول اللَّه:
يؤذيني ما آذاها إنْ كان كذا، إنْ كان المؤذي فلاناً، إن كان في وقت كذا، ليس فيه أي قيد، بل الحديث مطلق «يؤذيني ما آذاها».
ودلّت الأحاديث هذه على وجوب قبول قولها، وحرمة تكذيبها، وقد شهدت عائشة بأنّها سلام اللَّه عليها أصدق الناس لهجةً ما عدا والدها رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلم، ورسول قال كلّ هذا وفَعَله مع علمه بما سيكون من بعده.
1 خصائص أمير المؤمنين عليه السلام: 119 و 120، طبقات ابن سعد 2/ 40، مسند أحمد 6/ 282، حلية الأولياء 2/ 39، المستدرك 3/ 151.
2صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب مناقب قرابة الرسول ومنقبة فاطمة( عليها السّلام).
3مسند أحمد 4/ 328.
4صحيح مسلم، باب مناقب فاطمة( عليها السّلام).
5مسند أحمد 4/ 5، المستدرك على الصحيحين 3/ 159.
6المستدرك على الصحيحين 3/ 158، مسند أحمد 4/ 323.
7المستدرك على الصحيحين 3/ 153، كنز العمّال 13/ 674، 12/ 111.
8صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، صحيح مسلم- باب مناقب فاطمة( عليها السّلام)، صحيح الترمذي، المستدرك على الصحيحين 4/ 272.
9المستدرك على الصحيحين 3/ 160، حلية الأولياء 2/ 41، الإستيعاب 4/ 1896.
10المستدرك على الصحيحين 3/ 154.
11مجمع الزوائد 9/ 202.
12فيض القدير 4/ 421.
عن کتاب محاضرات في الاعتقادات لسماحة آیة الله الحاج السید علي الحسیني المیلاني (مدظله العالي)، المجلد الثاني، الصفحة9