هل يجوز التعويل على حسن الظاهر ؟
قال المحقق قدّس سرّه: « ولا يجوز التعويل في الشهادة على حسن الظاهر »(1).
أقول: أي إنه لا يجوز الإعتماد على حسن الظاهر، بل لابدّ من معرفة باطن الشخص على أثر المعاشرة والمخالطة معه، وهذا مبني على أن العدالة ملكة، فإنه بناء على هذا يشترط الشهادة بوجود الملكة فيهما، ولا يحصل العلم بذلك إلاّ بالمعاشرة، إذ الأعمال الجوارحيّة يمكن الإطّلاع عن طريقها إلى الجهات الباطنية، لأن الإناء يترشّح بما فيه.
وأما بناء على أن العدالة حسن الظاهر ـ كما عليه جماعة ـ فيشهد بحسبها، كما أن الأمر بناء على أن الإسلام عدالة واضح.
وقد شبّه صاحب ( الجواهر )(2) العدالة بناء على مذهب المحقق بالإعسار، فلو ادّعى المدين الإعسار لم يقبل منه ولا يثبت الإعسار بمجرّد ظاهر حاله حتى تحرم المطالبة، بل لابدّ من التحقيق، فالملكة أيضاً كذلك، فإن كثيراً من المعاصي لا يتظاهر بها أهلها، فلا يكفي حسن الظاهر، وخالفه استناداً إلى الأخبار الكثيرة الدالّة على جواز الشهادة تعويلاً على حسن الظاهر.
وسيأتي في كتاب الشهادات إن شاء الله تعالى البحث تفصيلاً عن جواز الشهادة استناداً إلى طريق من الطرق والأمارات الشرعيّة كاليد والبينة ، وعدم جوازه ووجوب العلم بالمشهود به، وملخصه:
أنه لو شك مثلاً في كلام لا يعلم هل هو كذب أو لا، جاز التكلّم به، لعدم جواز التمسك بأدلّة حرمة الكذب حينئذ، لأنها شبهة مصداقية، وعليه، تجري البراءة عن الحرمة، إلاّ أن يقال بالإحتياط إن كان ذلك الكلام يتعلّق بما يحتاط فيه ، كالفروج والدماء، وأما الإخبار عن شيء بنحو الجزم ـ مع الشكّ في تحققه ـ فلا يبعد كونه افتراء، فالشهادة بما لا يعلم افتراء، إذن، لابدّ من العلم في الشهادة، فإن لم يعلم لكن كان له طريق شرعي ، فهل يقوم ذلك الطريق مقام العلم في جواز الشهادة ؟ الظاهر أن هذا العلم مأخوذ في الموضوع بنحو الكاشف والطريق، فتجوز الشهادة اعتماداً على الطريق الشرعي . هذا كلّه أُصولاً.
وأما فقهاً، فإن الروايات الواردة في الجواز كثيرة(3)، وتفصيل المسألة في كتاب الشهادات.
بل في ( الجواهر ) إن حسن الظاهر بنفسه عدالة(4)، فما ذكره المحقق هنا مخالف للروايات، بل قال: إن البحث هنا علمي ، مرجعه إلى أن العدالة شرعاً هي ملكة يصدر عنها حسن الظاهر أو أنها عبارة عنه ، وإلاّ فالجميع متفقون على تحققها بذلك، بناء على كون مراد القائلين بحسن الظاهر هو أن جميع ما يظهر منه حسن بعد الخلطة والصحبة المتأكدة في سرّه وعلانيته.
أقول: والمختار أن العدالة هي الملكة وحسن الظاهر طريق إليها، لأن حسن الظاهر أعمّ من العدالة، لكن الملكة تكون علة لحسن الظاهر، لأنها حالة نفسانيّة مستندة إلى الإعتقادات الراسخة وتوجب ترك المحرمات والعمل بالواجبات، بحيث لو صدر منه خطأ حملته الملكة على الندم والتوبة.
ولا ريب في أن العلم بحسن الظاهر أيضاً يتوقف على المعاشرة كذلك ، فإن الصفات التي ذكرت في الروايات ـ المستفاد منها الإكتفاء بحسن الظاهر ـ لا يمكن الإطّلاع عليها عادةً إلاّ بها… فالحاصل: إن الآثار تترتب على حسن الظاهر المعلوم بما ذكر ، عملاً بالأخبار خلافاً للمحقق، وليس حسن الظاهر هو العدالة خلافاً للجواهر، بل هو طريق إليها، وعليه، فتقوم الطرق الشرعيّة مقام العلم في الشهادة.
ثم إن المستفاد من تلك الأخبار عدم وجوب التعمّق الشديد في حالات الشخص.
(1) شرائع الإسلام 4 : 76.
(2) جواهر الكلام 40 : 114.
(3) ذكرنا بعضها في الهامش المتقدم.
(4) جواهر الكلام 40 : 114.