حكم ما لو اختلف الشهود بالجرح و التعديل:
قال: « ولو اختلف الشهود بالجرح والتعديل قدّم الجرح … »(1).
أقول: في حال اختلاف الشهود بالجرح والتعديل يتقدّم الجرح، لأن حاصل شهادة المعدّلين هو عدم العلم بما يوجب الفسق، لكن الجارحين يقولان: رأينا منه كذا… فتكون الشهادة بالجرح شهادة بما خفي على المعدّلين، فيقدّم الجرح ولا تعارض بين الشهادتين. وعلى هذا الأساس لو قال الجارح: رأيته يفعل كذا يوم كذا، فقال المعدّل: أشهد بأنه قد تاب عن ذلك الفعل والتزم بإتيان الواجبات وترك المحرمات بعد هذا التاريخ، قدّم التعديل لأنه شهادة بما يخفى على الجارحين.
إنما الكلام فيما لو شهد الطرفان بنحو لا يمكن الجمع بين الشهادتين، كأن يقول الجارح: رأيته يفعل كذا في مكان كذا يوم الجمعة، ويقول المعدّل: كان معي يوم الجمعة في سفر إلى بلد آخر، فإنه تتعارض البيّنتان، قال المحقق: « ولو تعارضت البينتان في الجرح والتعديل ، قال في الخلاف: وقف الحاكم، ولو قيل: يعمل على الجرح كان حسناً »(2).
أقول: القول بالتوقّف في صورة التعارض يكون تارة : بمعنى رفع اليد عن شهادة الطرفين ، فلا يحكم بالفسق ولا بالعدالة، بل يحلّف الخصم، وأخرى : لا يحكم بشي ولا يحلف الخصم، لكن في ( الخلاف ) أيضاً: « إذا تعارضت البيّنتان على وجه لا ترجيح لأحداهما على الأخرى، اُقرع بينهما ، فمن خرج اسمه حلف وأعطي الحق ، هذا هو المعوّل عليه عند أصحابنا، وقد روي أنه يقسم نصفين »(3).
أما عدم تحليف الخصم، فمن جهة انصراف قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: « إنما أقضي بينكم بالبيّنات والأيمان » عن صورة التعارض بين البينتين ، وحينئذ، فإن أمكن التنصيف وإلاّ فالقرعة لأنها لكلّ أمر مشكل، ويحلف من خرجت باسمه احتياطاً.
وأما لو قال أحدهما: هو الآن عادل، وقال الآخر: هو الآن فاسق، فهل يقدّم قول الجارح أو يتعارضان ؟ الظاهر هو الثاني، فيتساقطان.
وقال في ( الجواهر ): وقد يقال أيضاً « إن هذا كلّه مع فرض عدم أمر سابق يمكن استصحابه من عدالة أو فسق وإلاّ حكم به »(4).
أقول: إن أراد صورة التعارض بين البينتين ، فإنه مع جريان الإستصحاب لا حاجة إلى الجرح والتعديل، بل تستصحب الحالة السابقة ويترتب الأثر، إلاّ أن الفقهاء لم يتعرّضوا للإستصحاب هنا، بل قالوا إن للحاكم أن يحكم بعلمه بالحال على أثر المخالطة، وظاهر ذلك هو الاعتماد على البيّنة مع عدم العلم، لأنها الكاشفة عن الواقع.
اللهم إلاّ أن يقال بأن إقامة البينة حكم تعبدي يعامل مع مفادها معاملة الواقع، لا أنها تكشف عنه، وحينئذ يقوم الإستصحاب مقامها.
لكن الظاهر أن حجية البينة هي بعنوان تتميم الكشف، ولعلّه لذا ذكر صاحب ( الجواهر ) المطلب بعنوان: قد يقال.
ثم إنه نقل عن ( كاشف اللثام )(5) احتمال تقديم شهادة التعديل لدى التعارض ، للأصل مع الخلوّ عن ظهور المعارض، خلافاً لمن قدّم شهادة الجرح ثم قال: « وهو جيّد فيما يرجع إلى ما ذكرناه لا مطلقاً ».
فإن قول بعضهم بأن الإسلام ملكة تمنع من ارتكاب المحرمات وترك الواجبات، ضعيف، وقد ضعّفه كاشف اللثام أيضاً ، واختار أن العدالة حسن الظاهر كالجواهر.
(1) شرائع الإسلام 4 : 77.
(2) شرائع الإسلام 4 : 77.
(3) كتاب الخلاف 6 : 337.
(4) جواهر الكلام 40 : 121.
(5) جواهر الكلام 40 : 121.