المسألة الثالثة عشرة
( هل يجب على الحاكم كتابة المحضر ؟ )
قال المحقق: « كلّ موضع وجب على الحاكم كتابة المحضر… »(1).
أقول: لا يجب على الحاكم تحصيل مقدمات الكتابة ولوازمها كالدّواة والقرطاس، وقيل: يجب عليه الدّواة، ولو بذل باذل أو أرسل إليه من بيت المال ـ وكانت الكتابة واجبة عليه ـ وجب عليه الكتابة، وفي ( الجواهر )(2) : لا دليل على الوجوب مع البذل أيضاً، وإن نسبه في ( المسالك ) إلى الأشهر تارة وإلى المعروف بين الأصحاب أخرى، معلّلاً له بأن ذلك حجة فكان عليه إقامتها كالحكم، وكما لو أقرّ له بالحق وسأله الإشهاد على إقراره، إلاّ أنه كما ترى، ضرورة أن الحجّة حكمه والإشهاد عليه لا كتابة الحكم، بل وكذا كتابة الإشهاد على الإقرار.
أقول: قد يكون للكتابة وإعطائها بيد من حكم له دخل في إحقاق الحق ووصول صاحبه إليه كالحكم نفسه، بحيث إذا لم تكن كتابة لم يتحقق الحق وتحصيله، بل قد يجب على الحاكم أخذ الحق بعد الحكم مع التمكن من ذلك من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتسليمه لأهله.
وقد يستدلّ لوجوب الكتابة بقوله تعالى: ( … وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ … )(3).
فإنه ظاهر في الوجوب، وقد أكّده بالنهي عن الإباء عنها، وأجاب في ( الجواهر ): بأنه في غير ما نحن فيه، وهو محمول على ضرب من الكراهة، للقطع بعدم وجوب ذلك(4).
وفيه: إن المستفاد من الآية الكريمة هو الملاك العام وهو: عدم إباء الكاتب والشاهد عن الكتابة والشهادة عند الحاجة واحتمال ضياع الحق بدون ذلك، وخصوصية مورد الآية لا تخصص، ولذا استدلّ بها الأصحاب في غير الدين.
وأمّا دعوى القطع بعدم وجوب الكتابة، فإن اُريد القطع بعدم وجوبها أولاً وبالذات فهو حق، وإن اُريد القطع بعدم وجوبها عليه وإن بذل له ما يلزم وطولب بها واحتمل ضياع الحق لو لم يكتب، فتلك دعوى بعيدة.
وقد يستدل بقوله تعالى: (وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ )(5) بناء على ما هو الأظهر من أن « يضارّ » أصله « يضارر » فاُدغمت الراء في الراء وفتحت لالتقاء الساكنين ، فيكون معناه: لا يكتب الكاتب إلاّ بالحق، ولا يشهد الشاهد إلاّ بالحق وإلاّ كان فسقاً(6).
نعم، في الآية السابقة ما يحتمل معه كون الأمر فيه إرشادياً، وهو قوله عزّوجل (ذَلِكُمْ أَقْسَطُ … ) بناء على أنه يتوجه إلى جميع الآية لا الجملة الأخيرة منها، ولكن الظاهر دلالة الآية على الوجوب في حال المطالبة ووجود الحاجة كما ذكرنا.
(1) شرائع الإسلام 4 : 77.
(2) جواهر الكلام 40 : 127.
(3) سورة البقرة 2 : 282.
(4) جواهر الكلام 40 : 128.
(5) سورة البقرة 2 : 282.
(6) القول الثاني: إن أصله « يضارر » بفتح الراء الاولى فاُدغمت، فيكون المعنى: لا يدعي الكاتب على وجه يضرّ به وكذلك الشاهد، لقاعدة نفي الضرر. وقد ذكر في مجمع البيان القولين، قال: والأوّل أبين.