مسألة تقدّم المفضول على الفاضل:
نعم، لا مناص لمن يقول بقبح تقدّم المفضول على الفاضل كابن تيميّة ـ ابن تيميّة ينصُّ في أكثر من موضع من ]منهاج السنّة[ على قبح تقدم المفضول على الفاضل ـ فحينئذ لابدّ وأنْ يلتزم بإمامة علي.
إلاّ أنّه يضطر إلى تكذيب الثوابت، ولا مناص له من التكذيب، حتّى لو كان الحديث موجوداً في الصحيحين وفي غير الصحيحين من الصحاح والكتب المعتبرة بأسانيد صحيحة، لأن النصب والعداء لأمير المؤمنين عليه السّلام يمنعه من الاعتراف بالحق والالتزام به، إلاّ أنا نوضّح هذه الحقائق ونستدل عليها، عسى أن يرجع بعض الناس عن تقليده واتّباعه، ولا أقل من إقامة الحجة، ليهلك من هلك عن بيّنة.
نعم، هناك من يعترف بصحة هذه الأحاديث، إلاّ أنّه ينفي قبح تقدّم المفضول على الفاضل.
فيدور الأمر عند القائلين بإمامة أبي بكر وعمر، بين نفي قبح تقدّم المفضول على الفاضل وقبول الأحاديث والآثار والأخبار هذه لصحّتها، وبين قبول قبح تقدّم المفضول على الفاضل وتكذيب هذه الأحاديث والآثار والقضايا الثابتة.
وقد مشى على الطريق الثاني ابن تيميّة، وعلى الطريق الأول الفضل ابن روزبهان، وكلاهما في مقام الرد على العلاّمة الحلّي في استدلالاته على إمامة أمير المؤمنين، فابن روزبهان يقول بعدم ضرورة كون الإمام أفضل من غيره وأنّه لا يقبح تقدّم المفضول على الفاضل، وحَكَم على خلاف حكم العقلاء من الأولين والآخرين، وابن تيميّة يوافق على هذا الحكم العقلي، إلاّ أنّه يكذّب الأحاديث الصحيحة ويتصرّف في معنى الشجاعة ومعنى القتل ومعنى الجهاد.
وإذا ما رجعتم إلى كتاب المواقف، وشرح المواقف، وشرح المقاصد، وغير هذه الكتب، ترونهم مضطربين، لا يعلمون ما يقولون، لا يفهمون بما يحكمون، فما لهم كيف يحكمون؟
فتارة يوافقون على قبح تقدّم المفضول على الفاضل، وهذه الأحاديث صحيحة.
وتارة يتأمّلون وكأنّهم لا يعلمون أنّ تقديم المفضول على الفاضل قبيح أو لا، ويتركون البحث على حاله؟
وقد نقلت هنا عبارة كتاب ]المواقف[ للقاضي الإيجي، الذي ذكر في هذه المسألة الخلاف في تقدّم المفضول وعدم تقدّم المفضول، وأنّه قبيح أوْ لا، وهو ساكت لا يختار أحد القولين، لأنّه لا يدري ماذا يقول؟ يبقى متحيّراً، يبقى مضطرباً، لأنّ الأمر يدور بين الأمرين كما ذكرت.
وإذا سألت القاضي الإيجي عن أنّ أبا بكر أفضل من علي أوْ لا، وتريد منه الكلام الصريح والفتوى الواضحة في هذه المسألة، والإفصاح عن رأيه؟
يقول: بأنّ الأفضلية لا يمكننا أنْ ندركها ونتوصّل إليها!
ثمّ إنّ الصحابة قدّموا أبا بكر وعمر وعثمان على علي، وجعلوا أولئك أفضل من علي، وحسن الظنّ بهم ـ أي بالصحابة ـ يقتضي أن نقول بقولهم ونوكل الأمر إلى اللّه سبحانه وتعالى.
وهكذا يريد الفرار من هذه المسألة، والخروج من عهدة هذه القضية، وإلقاء المسؤولية على الصحابة.
فأقول للقاضي الأيجي: إذن لماذا أتعبت نفسك؟ لماذا بحثت عن هذه المسألة؟ ولماذا طرحت هذه القضية في كتابك الذي أصبح أهم متن في الكتب الكلامية؟ وكان عليك من الأول أنْ تقول: بأنّ الصحابة كذا فعلوا ونحن كذا نقول، وإنّا على آثارهم مقتدون، وكذلك يفعلون.
وإنّا للّه وإنّا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، وصلّى اللّه على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
Menu