الجهة الرابعة
في الوضع الخاص والموضوع له العام ، بأنْ يكون المعنى الملحوظ حين الوضع خاصّاً ، فيوضع اللّفظ بواسطته على العام القابل للصّدق على كثيرين .
وقد أنكر الكلّ هذا القسم إلاّ الميرزا الرشتي في ( بدائع الاصول )(1) وحاصل كلامه :
إنه كما أن الجزئي يرى بواسطة الكلّي ، كذلك الكلّي يرى بواسطة الجزئي ، فإنّ « الإنسان » يرى مع « زيد » غير أنّه تارةً يوضع اللّفظ عليه من حيث أنه «زيد» ، واخرى يوضع عليه اللّفظ من حيث أنه « إنسان » .
وقد أوضح ذلك بأن من يصنع معجوناً مركّباً من أجزاء ، تارة يلحظ المعجون بلحاظ كونه معجوناً خاصّاً ، واخرى يلحظه بلحاظ الخاصيّة التي فيه ، فالوضع باللّحاظ الثاني خاص والموضوع له عام ، فالفرق بين الوضع العام والموضوع له العام ، وبين الوضع الخاص والموضوع له العام ، هو الفرق بين قولنا : كلّ مسكر حرام ، وقولنا : الخمر حرام لإسكاره ، فوزان القضيّة الاولى وزان العام والموضوع له العام ، لأنه يلحظ العام المسكر ويجعل الحرمة لهذا العام ، أما في القضيّة الثانية فالموضوع الملحوظ هو إسكار الخمر ، لكنْ لا يضع الحكم للإسكار المختص بالخمر ، بل إنّه يرى بإسكار الخمر عموم الإسكار ويضع الحكم لهذا العام .
وأشكل عليه شيخنا الاستاذ :
بأن الخاص والعام متقابلان متعاندان ، وكاشفيّة المعاند والمباين لمباينه محال .
وأمّا ماذكره من المثال ، فجوابه ـ كما ذكر صاحب ( الكفاية ) ـ أنه لو كان الملحوظ في : « الخمر حرام لإسكاره » هو إسكار الخمر فقط ، فإن الحكم لن يتجاوز هذا الموضوع ، أي الخمر المسكر ، وإنْ اُريد مِن « الخمر حرام لإسكاره » أن يكون إسكار الخمر وجهاً للإسكار ، فهذا غير معقول ، لأن إسكار الخمر لا يصير مرآة للإسكار ، كما أن إنسانية زيد لا تصير مرآة للإنسان . وإنْ أريد أنّا نلحظ إسكار الخمر ومن لحاظه ننتقل إلى طبيعة الإسكار ونجعل الحكم لهذه الطبيعة ، أو نضع اللّفظ للطبيعة التي انتقلنا إليها بسبب هذه الخصوصيّة ، فهذا ليس من قبيل الوضع الخاص والموضوع له العام ، بل هو من قبيل الوضع العام والموضوع له العام .
إذن ، الخصُوصيّة ـ سواء في الأحكام أو الأوضاع ـ لا تصير مرآةً وحاكيةً عن العام .
غاية ما هناك : إن الخصوصيّة تصير وسيلةً للانتقال ، ومنشأ للّحاظ ، فيكون العموم في الوضع والموضوع له كليهما ، بأن يُلحظ الفرد وتُلحظ بذلك الإنسانيّة الموجودة فيه ، وتصير الإنسانية الموجودة في هذا الفرد منشأً للانتقال إلى مفهوم الإنسان ، مثاله : أنْ يلحظ الشخص الذي في المسجد ، وينتقل إلى « الشخص » وإلى « مَن في المسجد » ويصير « مَن في المسجد » جامعاً انتزاعيّاً ، وهذا انتقال من الخصوصيّة إلى الجامع ، وهو أمر ، والحكاية والمرآتيّة أمر آخر ، إلاّ أنه قد وقع الخلط بين الأمرين في كلام المحقّق المذكور .
(1) بدائع الاصول : 39.