* سماحة آية الله السيّد علي الميلاني – حفظه الله – قرأتُ لكم بحثًا حول آية التطهير تحاولون من خلاله إثبات نزولها في الخمسة أصحاب الكساء (عَلَيْهِم السَّلامُ) وأرجو أن تسمحوا لي في مراجعتكم فيما ذكرتم بالردّ والنّقد العلمي: (أولا): إن آية التطهير ليست آية كاملة بل هي جزء من آية، جاءت في سياق خطاب نساء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ؛ والصحيح أنها نازلة في نساء النبيّ خاصة بصريح القرآن، ولا علاقة لها بعليٍّ وفاطمةَ وحَسنٍ وحُسين (عَلَيْهِم السَّلامُ)، وتغيّر الضمير هو لدخول النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ معهنَّ، والإرادة تشريعيّة، و(إنما) تعليلية لحصر الهدف من التشريع لا لحصر المستهدَف، وتغير الضمير لا يخرج الآية عن سياقها أو مدلولها. (ثانيًا): الردّ على ما ذكره آية الله السيّد عليّ الميلاني: 1- (مقتضى سياق الاية): قال آية الله السيد علي الميلاني: عندنا اصطلاح في علم الاُصول، يقولون: بأنّ السياق قرينة في الكلام، أي أنّه متى ما أردنا أن نفهم معنى كلام أو معنى كلمة، نراها محفوفةً بأيّ كلام، وفي أيّ سياق، فالألفاظ التي تحفّ بهذه الكلمة، والسياق الذي جاءت الجملة في ذلك السياق، يكون معيناً لنا أو معيّنا لنا على فهم المراد من تلك الكلمة أو الجملة، هذا شيء يذكرونه في علم الاصول، وهذا أيضاً أمر صحيح في مورده ولا نقاش فيه. إلاّ أنّ الذين يقرّرون هذه القاعدة، ينصّون على أنّ السياق إنّما يكون قرينة حيث لا يكون في مقابله نصّ يعارضه، وهل من الصحيح أن نرفع اليد عمّا رواه أهل السنّة في صحاحهم وفي مسانيدهم وفي سننهم وفي تفاسيرهم، عن اُمّ سلمة وعن عائشة وعن غيرهما من كبار الصحابة: أنّ الاية مختصّة بالنبيّ وبالأربعة الاطهار من أهل البيت، نرفع اليد عن جميع تلك الاحاديث المعتبرة المعتمدة المتفق عليها بين المسلمين، لأجل السياق وحده، حتّى ندّعي شيئاً لاُمّ سلمة أو لعائشة، وهنّ ينفين هذا الشيء الذي نريد أن ندّعيه لهنّ ؟! [الجواب]: ما أكثر تعلّقكم بالأحاديث وإعراضكم عن القرآن! فقد كان من الواجب عليكم أولاً أن تفهموا القرآن من خلال القرآن وسياق الكلام والقرائن المحيطة بجوّ الآية ثم تردّوا أحاديث الكساء جميعها لمعارضتها القرآن، لا أن تقدّموا هذه الأحاديث لتخرجوا جزءًا من الآية عن سياقه ومدلوله فتجعلونه نصًّا مُقحمًا بلا وجهٍ معقول ولا قرينة مقبولة مما يحدث خدشًا صارخًا في البلاغة القرآنية. أمّا أحاديث الكساء فباطلة موضوعة مكذوبة بأجمعها ولا قيمةَ لتواترها مع معارضتها القرآن. ثمَّ إنّ من يريدُ تعريفَ الناس بأهل بيته لا يختبئ في دار أم سلمة ثمّ يخفي نفسه وأهله تحت الكساء لئلا يراهم أحد ويقول: (اللهم هؤلاء أهل بيتي …) بل يخرج إلى الناس مُعرفًا بهم. 2- قال آية الله السيد علي الميلاني: … الارادة تارةً تكوينيّة وأُخرى تشريعيّة، وكلا القسمين واردان في القرآن الكريم، ولله سبحانه وتعالى إرادة تكوينيّة وإرادة تشريعيّة، ولا خلاف في هذه الناحية أيضاً. لكن المراد من «الارادة» في الاية لا يمكن أن يكون إلاّ الارادة التكوينيّة، لان الارادة التشريعيّة لا تختص بأهل البيت، سواء كان المراد من أهل البيت هم الاربعة الاطهار، أو غيرهم أيضاً، الارادة التشريعيّة لا تختصّ بأحد دون أحد، الارادة التشريعيّة يعني ما يريد الله سبحانه وتعالى أن يفعله المكلَّف، أو يريد أن لا يفعله المكلّف، هذه الارادة التشريعيّة، أي الأحكام، الاحكام عامّة تعم جميع المكلّفين، لا معنى لان تكون الارادة هنا تشريعيّة ومختصّة بأهل البيت أو غير أهل البيت كائناً من كان المراد من أهل البيت في هذه الاية المباركة، إذ ليس هناك تشريعان، تشريع يختصّ بأهل البيت في هذه الاية وتشريع يكون لسائر المسلمين المكلّفين، فالإرادة هنا تكون تكوينيّة لا محالة . (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس) و (الرجس) إذا رجعنا إلى اللغة، فيعمّ الرجس ما يستقذر منه ويستقبح منه، ويكون المراد في هذه الاية الذنوب، (إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس)، أي إنّما يريد الله بالإرادة التكوينيّة أن يذهب عنكم الذنوب أهل البيت، ويطهّركم من الذنوب تطهيراً، فهذا يكون محصّل معنى الاية المباركة. [الجواب]: لقد تكلّف هؤلاء القوم في إثبات هذا المعنى الساقط الذي لا يوجد إلا في مخيّلتهم فلا أحد يفهم من الحصر في الآية ما ذكروه من الاختصاص بل هو معنى غير واردٍ أصلا؛ فكلّ من يقرأ الآية مهما كان مستواه العلمي يفهم المعنى التالي: يقول تعالى مخاطبًا أزوج النبيّ: والْزَمْنَ بيوتكن, ولا تخرجن منها إلا لحاجة مشروعة, ولا تُظهرن محاسنكن, كما كان يفعل نساء الجاهلية الأولى سابقًا, وأدِّين – يا نساء النبيّ – الصلاة كاملة في أوقاتها, وأعطين الزكاة كما شرع الله, وأطعن الله ورسوله في أمرهما ونهيهما, إنما أوصاكن الله بهذا؛ ليزكيكنَّ, ويبعد عنكنَّ الأذى والسوء والشر يا أهل بيت النبي (أي زوجاته), ويطهِّر نفوسكم غاية الطهارة. هذا هو معنى الآية كما يفهمه الجميع وتغيّر الضمير لا يخرج المقطع عن سياقه ومدلوله وإلا سقط بلاغيًّا. فالإرادة هنا تشريعية والحصر في الآية لا يدلّ على اختصاص ولا أحد يفهم هذا المعنى الذي ذكروه بل هو معنى غير وارد مطلقًا؛ فإنّا لله وإنا إليه راجعون. (مثال توضيحي) (ومن المعضلات توضيح الواضحات): لو سمع الناسُ شخصًا ينصح أحد أبنائه قائلا: (لا تغضب لا تيأس لا تستعجل؛ فإنما أريد لك الخير والصلاح). فمع أنَّ الخطاب موجّه لأحد الأبناء ولكنَّ أحدًا من الناس لا يفهم من كلمة (أنما) هنا أنَّ هذا الأب الناصح قد حصر وقصر إرادته الخير والصلاح لهذا الولد وحده دون أبنائه الآخرين أو الأشخاص الآخرين لمجرّد خطابه هذا ولكن لما كان الكلام مُوجّهًا لهذا الابن جاز أن يعلل له نصحه ويحصره في هدف واحد وهو أنَّ سبب نصحه له إرادة الخير له مع عدم امتناعها عمّن سواه. فمن أين فهم هؤلاء القوم أنَّ الحصر في الآية دالٌّ على ما ذكروه من معنى لا يخطر في ذهن أحد. 3- (الارادة التكوينية والجبر) قال آية الله السيد علي الميلاني: ويبقى سؤال: إذا كانت الارادة هذه تكوينيّة، فمعنى ذلك أن نلتزم بالجبر … وقد أجاب علماؤنا عن هذه الشبهة في كتبهم بما ملخصه: إنّ الله سبحانه وتعالى لمّا علم أنّ هؤلاء لا يفعلون إلاّ ما يؤمرون، وليست أفعالهم إلاّ مطابقةً للتشريعات الالهيّة من الافعال والتروك، وبعبارة أُخرى: جميع أفعالهم وتروكهم تكون مجسّدة للتشريعات الالهيّة، جميع ما يفعلون ويتركون ليس إلاّ ما يحبّه الله سبحانه وتعالى أو يبغضه ويكرهه سبحانه وتعالى، فلمّا علم سبحانه وتعالى منهم هذا المعنى لوجود تلك الحالات المعنويّة في ذواتهم المطهّرة، تلك الحالة المانعة من الاقتحام في الذنوب والمعاصي، جاز له سبحانه وتعالى أن ينسب إلى نفسه إرادة إذهاب الرجس عنهم . وهذا جواب علميّ يعرفه أهله ويلتفت إليه من له مقدار من المعرفة في مثل هذه العلوم، والبحث لغموضه لا يمكن أن نتكلّم حوله بعبارات مبسّطة أكثر ممّا ذكرته لكم … [الجواب]: أولا: هذه ليست شبهة بل هي حقيقة واقعة فالقول بأنّ الإرادة في آية التطهير تكوينيّة يعني الالتزام بمنطق الجبر الباطل. ثانيا: بالنسبة لجوابهم عن هذا الإشكال: إن كان المراد منه أنّ الولاية المرتبطة بتكليف الأئمة (عَلَيْهِم السَّلامُ) هي ولاية تشريعيّة فلما علم الله أنَّ أفعالهم وتروكهم ستكون مطابقةً للتشريعات الالهيّة حوّلها سبحانه من ولاية تشريعية إلى ولاية تكوينية. فإن كان هذا المعنى هو المقصود من هذا الجواب فحيث علم الله من هؤلاء أنّهم لا يريدون لأنفسهم إلاّ الطاعة والعبودية، تعلقت إرادته التكوينية بهم فطهّرهم من كلّ رجس، فعِلمه بهم منشأ لهذه الإرادة التكوينية, فهذا الجواب لا ينفي إشكالية الجبر بل يرسّخها ويظل الإشكال قائمًا. أمّا إذا كان المقصود من جوابهم هذا أنّ الولاية المرتبطة بتكليفهم (عَلَيْهِم السَّلامُ) هي ولاية تشريعية فلما علم الله منهم طاعتهم المطلقة عبّر عن هذه الإرادة التشريعية بالإرادة التكوينية تعبيرًا مجازيًّا أو نسبها إلى نفسه بالإرادة التكوينية نسبةً مجازيّة. ومن المعلوم أنَّ التعبير المجازي عن الشيء لا يُغيّر من حقيقته فإن كانت الولاية تشريعية بقيت كما هي والتعبير عنها بالتكوينية مجازا لا يحولها إلى تكوينية حقيقة فلا ينفي هذا الجواب إشكاليّة الجبر بل لا علاقة له بأصل الإشكال. وهكذا ترى أنَّ جوابهم هذا ليسَ جوابًا علميًّا ولا منطقيًّا بل هو أقربُ إلى الهذَيَان لذلك لم يُقبَل من بعضهم فبحثوا عن جوابٍ غيره وتعددت الأجوبة غير المقنعة ولذلك أيضًا أعرض عنه الشيخ الفاضل اللنكراني في بحثه حول آية التطهير واتّجه اتجاهًا آخر يخرج الآية من هذا الإشكال العويص لكنه لم يستطع.

بسمه تعالى
السلام عليكم
كلّ هذا الذي ذكرتموه قرأته في الكتاب المسمّى بمنهاج السنّة للملقّب بشيخ الاسلام المكنّى بابن تيميّة المؤلَّف قبل هؤلاء المخالفين لأهل البيت المنكرين لفضائلهم المُعادين لشيعتهم بمئات السنين، والعجب أنّهم يسمّون أنفسهم بأهل السنّة وهم يخالفونها والكتاب المبين، اُنظر إليهم يقولون: ما أكثر تعلّقكم بالأحاديث وإعراضكم عن القرآن… فإذا ذكّرتَهم بالقرآن قالوا: كأنّا لم نسمع بهذه الآية، وإذا ذكّرتَهم بالسنّة قالوا: ألهانا الصّفق بالأسواق، وهذه سنّة مشايخهم الذين بهم يقتدون!! وأقول هنا: سلّمنا أنه قد وقع الخلاف في فهم قوله تعالى (إنّما يريد الله ليذهب…) وفي معرفة من نزلت فيه، والله تعالى يقول: (فإنْ تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرّسول) فرجعنا إلى ما في كتب القوم المعتمدة عندهم المرجَّحة على القرآن أحياناً منهم، وهذا الشيخ كأنّه لم يسمع بهذه الآية! وما أدري ماذا ألهاه عن القرآن أوْ لا يريد أن يعمل به ويتّهم غيره بالإعراض عنه!! هدانا الله وإيّاه إلى الصراط المستقيم، صراط محمدٍ وآله الطاهرين.
8656
تم طرحه بواسطة: mohammed ali mohamme

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *