الأدلّة على وجوب اتّباع مذهب الإماميّة

إن الإماميّة أخذوا مذهبهم عن الأئمة المعصومين عليهم السّلام، المشهورين بالفضل والعلم والزهد والورع، والإشتغال في كلّ وقت بالعبادة والدعاء وتلاوة القرآن، والمداومة على ذلك من زمن الطفولة إلى آخر العمر، ومنهم تعلّم الناس العلوم ونزل في حقهم: هَلْ أتَى، وآيةُ الطهارة، وإيجاب المودة لهم، وآية الإبتهال، وغير ذلك. وكان علي عليه السلام يصلّي في كلّ يوم وليلة ألف ركعة ويتلو القرآن، مع شدّة ابتلائه بالحروب والجهاد:
الإمام علي الهادي عليه السلام ويقال له: العسكري، لأن المتوكّل أشخصه من المدينة إلى بغداد، ثم منها إلى سر من رأى فأقام بموضع عندها يقال له العسكر، ثم انتقل إلى سر من رأى فأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر.
وإنما أشخصه المتوكّل لأنه كان يبغض عليّاً عليه السلام فبلغه مقام علي بالمدينة وميل الناس إليه فخاف منه، فدعا يحيى بن هرثمة فأمره بإشخاصه فضج أهل المدينة لذلك خوفاً عليه، لأنه كان محسناً إليهم ملازماً للعبادة في المسجد، فحلف لهم يحيى أنه لا مكروه عليه، ثم فتّش منزله فلم يجد فيه سوى مصاحف وأدعية وكتب العلم، فعظم في عينه وتولّى خدمته بنفسه. فلما قدم بغداد بدأ بإسحاق ابن إبراهيم الطاهري والي بغداد فقال له: يا يحيى هذا الرجل قد ولده رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والمتوكّل من تعلم فإن حرّضته عليه قتله وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله خصمك! فقال له يحيى: واللّه ما وقعت منه إلاّ على خير. قال: فلمّا دخلت على المتوكّل أخبرته بحسن سيرته وزهده وورعه فأكرمه المتوكّل.
ثم مرض المتوكّل فنذر إن عوفي تصدّق بدراهم كثيرة، فسأل الفقهاء عن ذلك فلم يجد عندهم جواباً، فبعث إلى علي الهادي عليه السلام يسأله فقال: تصدق بثلاثة وثمانين درهماً، فسأله المتوكّل عن السبب فقال: لقوله تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَة)، وكانت المواطن هذه الجملة، فإن النبي صلّى اللّه عليه وآله غزا سبعاً وعشرين غزاة وبعث ستاً وخمسين سرية.
قال المسعودي: نميَ إلى المتوكّل بعلي بن محمد أن في منزله سلاحاً من شيعته من أهل قم، وأنه عازم على الملك، فبعث إليه جماعة من الأتراك فهجموا على داره ليلاً فلم يجدوا شيئاً، ووجدوه في بيت مغلق عليه وهو يقرأ وعليه مدرعة من صوف، وهو جالس على الرمل والحصباء، متوجّه إلى اللّه تعالى يتلو القرآن، فحمل على حالته تلك إلى المتوكّل، فأدخل عليه وهو في مجلس الشراب والكأس في يد المتوكّل فأعظمه وأجلسه إلى جانبه وناوله الكأس، فقال: واللّه ما خامر لحمي ودمي قط فاعفني فأعفاه، وقال له: أسمعني صوتاً فقال عليه السلام: (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّات وَعُيُون . .) الآيات . . فقال: أنشدني شعراً فقال: إني قليل الرواية للشعر. فقال: لا بدّ من ذلك، فأنشده:
باتوا على قُلل الأجبال تحرسُهم * غُلْبُ الرجال فما أغنتهم القلل
واستُنزلوا بعد عزّ من معاقلهم * وأسكنوا حفراً يا بئس ما نزلوا
ناداهم صارخٌ من بعد دفنهم * أين الأساورُ والتيجانُ والحُلل
أين الوجوهُ التي كانت منعّمةً * من دونها تُضرب الأستار والكلل
فأفصح القبر عنهم حين سائلهُ * تلك الوجوه عليها الدود يقتتل
قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا * فأصبحوا بعد طول الأكل قد أكلوا
فبكى المتوكّل حتى بلّت دموعه لحيته.
کتاب شرح منهاج الكرامة في معرفة الإمامة/ جلد 1‏/ صفحه 216

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *