فصل

فصل
وإذا تقرّرت هذه القاعدة، فلنعد إلى ذكر أحاديث هذا الشيخ التي احتج بها، ولنبيّن وهنها، فنقول: قد روينا حديثنا المتفق عليه المتن عن عائشة، وذكرنا بعض طرقه الصحاح، وتركنا بعض الطرق لئلاّ نطيل، وقد روى هذا الشيخ ضدّه عن عائشة من سبعة طرق، فنجيب عن ذلك بثلاثة أجوبة:
أحدها: إن حديثنا أخرج في الصحاح كلّها، وهذه الطرق ليس منها شيء في الصحاح، وهذا يكفي في تقديم حديثنا.
والثاني: أنه يستحيل أن تقول عائشة: صلّى وما صلّى، والقصّة واحدة، فلابدّ من تصحيح أحد الضدّين، فإن أمكنك أن تردّ حديثنا المتفق عليه وتصحيح أحاديثك عن عائشة فلجت حجتك وطاح البخاري ومسلم، ورأينا في زماننا من قد غمز عليهم، وإن قلت: أجمع بين الأحاديث، فأرنا كيف يمكن المستحيل! ونحن يمكننا الجمع على ما يأتي في الباب الآخر إن شاء الله تعالى.
والثالث: بيان وهن طرقه السبعة.
اما طريقه الاول عن عائشة، فمن حديث شبابة بن سوار: أخبرنا به ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: اخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبدالله بن أحمد قال: حدثني أبي قال حدثنا شبابة بن سوار قال: أخبرنا شعبة عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خلف أبي بكر قاعداً في مرضه الذي مات فيه(1).
والجواب: إن الإمام أحمد أنكر هذا الحديث على شبابة وقال: قد رواه ثقة فخالف فيه شبابة، وقد أنكر عليه احاديث أخر: أخبرنا أبو منصور عبدالرحمن بن محمّد القزاز قال: اخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا ابراهيم بن عمر البرمكي قال: اخبرنا محمّد بن عبدالله ابن خلف قال حدثنا عمر بن محمّد الجوهري قال: حدثنا أبو بكر الأثرم قال: ذكر أبو عبدالله أحمد بن حنبل حديثاً عن شبابة فقال: ما سمعته من أحد، ثم قال: وحديثه الذي يرويه عن شعبة عن نعيم بن أبي هند ـ يعني هذا الحديث الذي ذكرناه ـ قال: قد رواه إنسان يقال له بكر بن عيسى ـ وأثنى عليه ـ فخالفه في كلامه.
قال أحمد: وروى شبابة عن سعيد عن قتادة عن الحسن عن أنس: أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم جلد في الخمر، وهذا ليس بشيء.
قال الأثرم: وقيل لأبي عبدالله: وروى شبابة عن قتادة عن سعيد ابن المسيب عن أبيه: بايعنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم. فأنكره وقال: إنما هذا حديث طارق. قلت لأبي عبدالله: وروى شبابة عن شعبة عن قتادة عن زرارة عن عمران: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أوتر بسبّح اسم ربك. فقال: هذا باطل، ليس من هذا شيء(2).
قال هذا الشيخ المحتج: إنما قال أحمد شبابة صاحب حديث أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم صلّى خلف أبي بكر، على وجه التعريف له.
ولعلّ هذا الشيخ ما سمع ما ذكرناه عن أحمد في الردّ على شبابة وكيف لا يكون قصده الردّ عليه؟ وقد قال: إن بكر بن عيسى خالفه وكان ثقة(3)، والحديث الذي رواه بكر: اخبرنا به ابن الحصين قال: اخبرنا ابن المذهب قال اخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبدالله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا بكر بن عيسى قال سمعت شعبة ]ابن الحجاج يحدث[(4) عن نعيم بن أبي هند عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة: أن أبا بكر صلّى بالناس ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصفّ(5).
وهذه الرواية التي قدّمها أحمد على رواية شبابة، وليس تدلّ على أن أبا بكر أمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، لأنه إذا كان إلى جانب أبي بكر كانا في صف. ولو قيل: يريد به صف الصحابة، كان معناه: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقف في الصف ليصلّي، فلما رآه أبو بكر تأخر، فليس في هذا حجة.
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: اخبرنا أبو بكر الخطيب قال: أخبرني البرقاني قال: حدثني محمّد بن أحمد ]ابن محمّد[ الآدمي، قال: حدثنا محمّد بن علي الأيادي قال: حدثنا زكريا السّاجي قال: شبابة بن سوار كان أحمد بن حنبل يحمل عليه(6).
أخبرنا القزاز قال: اخبرنا الخطيب قال: اخبرنا علي بن طلحة المقريء قال: حدثنا محمّد بن ابراهيم الرازي ]الغازي[ قال: اخبرنا محمّد بن محمّد بن داود الكرخي قال: حدثنا عبد الرحمن بن يوسف ابن خراش قال: شبابة بن سوار كان أحمد بن حنبل لا يرضاه(7).
قال هذا الشيخ المحتج: إنما أنكر عليه أحمد الإرجاء.
قلنا: قد ذكرنا كيف أنكر أحاديثه، والإرجاء محنة اخرى.
قال هذا الشيخ: قد روى هذا الحديث عن شبابة جماعة، وأخذ يعدّهم.
قلنا: هذا لا ينفع، لأن المستند شبابة، ومع طعن أحمد تنتفي العدالة، وليس كلّ من أخرج عنه يمتنع القدح فيه، فقد أخرج البخاري عمّن لم يرضه مسلم، وأخرج مسلم عمن لم يرضه البخاري. وهذا جواب من يقول: إن الترمذي أخرج حديث شبابة وقال: هو حديث صحيح، فإن الترمذي قد أخرج أحاديث وصححها وكلّها لا تثبت، لما فيها من المجروحين، ثم لعلّ ذلك رأيه، وربما أشار بالصحة إلى تعديل الرواة، والعدل قد يغلط فيقدّم قول الحافظ.
ويدلّ على أنّ حديث شبابة غلط ثلاثة أوجه: أحدها: أنه لم يخرجه البخاري ولا مسلم(8). والثاني: أنه قد ردّه أحمد وقال: قد رواه بكر بن عيسى فخالفه، وأثنى عليه على ما سبق. والثالث: إن الفقهاء بنوا على أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان الإمام، فالاعتبار بما يوجبه النظر والاجتهاد في التضعيف والتوثيق، والجرح مقدم.
قال هذا الشيخ: فقد أخرجه أحمد في مسنده، وذلك دليل على أنه يرضاه ويرضى رواته.
قلنا: أخطأت الحفرة، فقد ]روى[(9) جماعة عن خلق كثير وقدح فيهم، منهم الإمام أحمد، فإنه قد روى ]عن[(10) خلق كثير وقدح فيهم ولم يعمل بأحاديثهم، وسيأتي كشف هذا في الباب السّادس إن شاء الله تعالى.
وقد ]تكلّم[(11) أبوحاتم ابن حبان على حديث شبابة فقال: يرويه نعيم بن أبي هند عن أبي وائل، قال: فجعل نعيم أبا بكر إماماً وجعله عاصم مأموماً، وهما ثقتان، قال: فنقول: كانت صلاتين، كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في احداهما مأموماً وفي الأخرى إماماً، قال: والدليل على ذلك أن في خبر عبيدالله بن عبدالله عن عائشة إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج بين العباس وعلي. وفي خبر مسروق، خرج بين بريرة وميمونة، فهذا يدل على أنها كانت صلاتين.
قال المصنف: قلت وهذا غلط ]من[ أبي حاتم من ستة أوجه:
أحدها: إن حديث نعيم إنما يرويه شبابة، وقد بيّنا أنه غلط فيه، فلا يحكم بالغلط على نعيم، وحديث عاصم موافق لحديث عبيدالله ابن عبدالله عن عائشة المتفق عليه، فيجب الحكم به، لأن الأحاديث على موافقته ـ بخلاف حديث شبابة ـ تدلّ على أنها قصة واحدة مسندة إلى عائشة، فينبغي أن يتبع ما اخرج في الصحاح مفسّراً، وهو حديث عبيدالله عنها، ولا يلتفت إلى منفرد لا يوافقه باقي الأحاديث، بل ينسب إلى الغلط، كما ذكرنا عن أحمد بن حنبل.
والثاني: إن خروجه بين علي والعباس مذكور في الصحيحين، وخروجه بين بريرة وميمونة لم يذكر في الصحاح، فينبغي تقديم ما صحّ.
والثالث: أنه لو صحّ، كان المراد أنهما أخرجاه إلى باب الدار، وتولاّه علي والعباس إلى الصف، إذ ليست العادة أن تمشي الجواري بين الصفوف، خصوصاً وقد كان القوم في الصّلاة.
والرابع: إن في حديث بريرة وميمونة: فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يصلّي جالساً وأبو بكر قائماً يصلّي بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر، فالعجب لأبي حاتم كيف يقول: كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مأموماً؟ وهو يروي في حديث بريرة وميمونة: وأبو بكر يصلّي بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟ وكيف يصلّي أبو بكر بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ويكون هو الإمام لرسول الله؟ هذا تغفيل من أبي حاتم.
والخامس: إن حديث عبيدالله بن عبدالله عن عائشة مفسّر لهذا المجمل وقولها: فجلس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن يسار أبي بكر. فلم يبق إشكال.
والسادس: إنه لم تختلف الفقهاء: أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان الإمام، إلى هذا ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد على ما سبق بيانه، وما منهم من قال: كان هذا في صلاة وهذا في صلاة، فإذا اتفق الفقهاء مع صحة النقل لم يلتفت إلى غالط.
وبلغ هذا إلى بعض فقهاء زماننا فقال: يمكن أن يعمل بحديث شبابة وبالحديث الأول الذي احتجت به، فقال: كان هذا في حال وذاك في حال.
فقلت: حديث شبابة قد اختلف، فرواه نعيم بن أبي هند عن أبي وائل على صفة، وقد جرح أحمد شبابة. ورواه بكر بن عيسى ـ وقد وثقه أحمد ـ عن نعيم عن أبي وائل على صفة أخرى لا تقتضي صلاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خلف أبي بكر، فقدمت رواية تختلف الناس أنها كانت صلاة واحدة!
وقد رام من نصرهما أنها كانت صلاة الفجر، وسيأتي بطلان قوله إن شاء الله تعالى.
الطريق الثاني: من الطرق التي احتج بها هذا الشيخ من حديث عائشة: روى من حديث شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صلّى خلف أبي بكر.
وأعاده بطريق آخر من شعبة.
وجوابه: أنا قد ذكرنا حديثنا عن أبي معاوية عن الأعمش، وهو الذي أخرج في الصحيحين، ولم يختلف العلماء أن أبا معاوية(12) كان أضبط لحديث الأعمش من غيره، ولذلك لم يخرج ما ذكره في الصحاح.
اخبرنا أبو منصور القزاز قال: اخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرنا البرقاني قال: حدثنا أبوالفضل محمّد بن عبدالله بن خميرويه الهروي قال: أخبرنا الحسين بن إدريس قال: سمعت ابن عمار يقول قال: أبو معاوية: كان أهل خراسان يجيئون إلى الأعمش ليسمعوا منه فلا يقدرون، وكانوا يجيئون ويسمعون من شعبة عن الأعمش، وكان شعبة لا يحدّثهم حتى يقعدني معه، فيقول: يا أبا معاوية أليس هو كذا وكذا، فإن قلت: نعم حدّثهم. قال ابن عمار: إنما يراد من هذا أن أبا معاوية كان أثبت في الأعمش من شعبة(13).
أخبرنا أبو منصور القزاز قال: اخبرنا أبو بكر الخطيب(14) قال حدثني علي بن الحسن القرشي قال: حدثني أبو الحسن علي بن إبراهيم الحموي قال: اخبرنا الحسن بن رشيق قال: حدثنا عبدالله بن محمّد ابن رزيق قال: سئل أحمد بن الحسن السكري الحافظ ـ وأنا جالس ـ من أحبّ إليك في أصحاب الأعمش؟ قال: أبو معاوية أعرف به.
قال الخطيب: وحدثنا العتيقي قال: حدثنا محمّد بن العباس قال حدثنا أبو أيوب سليمان بن إسحاق الجلاب قال: سمعت إبراهيم الحربي يقول قال لي الوكيعي: ما أدركنا أحداً كان أعلم بأحاديث الأعمش من أبي معاوية(15).
الطريق الثالث عن عائشة: ذكره هذا الشيخ من حديث عمرو بن خالد عن ابن لهيعة وفيه: فقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لما قضى أبو بكر الصلاة، فركع الركعة.
قلنا: أما «عمرو بن خالد»: فقال فيه أبو حاتم ابن حبان: كان يروي عن الثقات الموضوعات، لا يحلّ الرواية عنه(16). وأما «ابن لهيعة» فكان يحيى بن سعيد لا يراه شيئاً، وقال يحيى بن معين والنسائي: هو ضعيف، وقال أبو زرعة: ليس ممن يحتج به، وقال إبراهيم بن يعقوب السّعدي ـ وكان من كبار الحفاظ، كان أحمد بن حنبل يكاتبه ـ لا ينبغي أن يحتج برواية ابن لهيعة، ولا يعتدّ بها(17)، ويدلّ على دفع هذا الحديث أن فيه: «فقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم» وإنما صلّى قاعداً.
الطريق الرابع عن عائشة: ذكره هذا الشيخ من رواية بدل ابن المحبر عن شعبة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيدالله بن عبدالله ابن عتبة عن عائشة: أن أبا بكر صلّى بالناس ورسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ في الصفّ خلفه.
قلنا: الذي أخرج في الصحيحين من حديث موسى بن أبي عائشة عن عبيدالله عن عائشة، قد ذكرناه في حجتنا، وليس فيه «ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصف خلفه» وإنما فيه «وكان أبو بكر يصلّي بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم» وإخراجه في الصحيحين بخلاف هذه الطريق دليل على غلط بدل بن المحبر على شعبة، وبدل ليس من شرط الصحيح، وما اهتدى إلى ما قلناه أبو حاتم ابن حبان، فإنه قال: قد اختلف شعبة وزائدة في هذا الحديث، فجعل شعبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مأموماً، وجعله زائدة إماماً، وما ذكرنا من غلط بدل أولى من أن يجعل الغلط على شعبة.
ويدلّ على ما قلناه وأنه قد رواه الثقة عن شعبة عن موسى على خلاف هذا: ما أخبرنا به ابن الحصين قال: اخبرنا ابن المذهب قال اخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبدالله بن أحمد قال: حدثني أبي قال حدثنا سليمان بن داود الطيالسي قال: حدثنا شعبة عن موسى ابن أبي عائشة قال سمعت عبيدالله بن عبدالله بن عتبة يحدّث عن عائشة أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر أبا بكر أن يصلّي بالناس قائماً والناس خلفه(18). قال أحمد: وحدثنا عبدالصمد ومعاوية بن عمرو قالا: حدثنا زائدة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة قال: دخلت على عائشة فقلت: ألا تحدّثيني عن مرض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فحدثت الحديث وقالت: جلس إلى جنب أبي بكر، فجعل أبو بكر يصلّي وهو قائم بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر(19).
ثم لا حجة في حديثه أصلاً، لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقف خلف أبي بكر ليأتم به فتأخر.
الطريق الخامس رواه هذا الشيخ من حديث سيف بن عمر صاحب الفتوح قال: حدثنا سعيد بن عبدالله عن أبيه عن عائشة قال قلت: هل صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خلف أبي بكر؟ قالت: نعم قاعداً.
والعجب ممن يعارض الصحاح بمثل هذا ولكن ما يعلم، أما «سعيد بن عبدالله» فمجهول. وأما «سيف» فقال يحيى بن معين: فليس خير منه، وقال أبو حاتم الرازي: هو متروك الحديث، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، قال: وقالوا إنه كان يضع الحديث(20).
الطريق السادس رواه هذا الشيخ من حديث ابن عمر الواقدي عن عبد الرحمن بن عبد العزيز عن عبدالله بن أبي بكر عن أبيه عن عائشة قالت: جاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فاستأخر أبو بكر، فأخذ بيده فقدّمه في مصلاّه فصفّا جميعاً ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جالس وأبو بكر قائم، فلما سلّم صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الركعة الأخيرة ثم انصرف.
وجواب هذا من وجهين: أحدهما: أنه لا يصح، قال أحمد بن حنبل: الواقدي كذّاب يقلّب الأحاديث. يلقى حديث ابن أخي الزهري على معمر، ونحوذا، وقال يحيى بن معين: ليس بثقة، ليس بشيء لا يكتب حديثه. وقال البخاري: هو متروك الحديث. وقال أبو حاتم الرازي وأبو عبد الرحمن النسائي: كان يضع الحديث. وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة والسلام(21). وأما «عبد الرحمن بن عبد العزيز» فقال أبو حاتم الرازي: هو مضطرب الحديث(22). وأما «عبدالله بن أبي بكر» فقال أبو زرعة: ليس بشيء، وقال موسى بن هارون: ترك الناس حديثه(23).
والثاني: لا حجة في هذا الحديث، لأنه ردّه إلى مكانه وقام معه في الصف ولكن عن يساره، ثم قضى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مافاته، لأنه إنما صلّى بالناس بعض الصلاة.
الطريق السابع رواه هذا الشيخ من حديث أبي عبد العزيز الترمذي يرفعه إلى عائشة: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كشف ستراً فرأي الناس من رواء أبي بكر يصلّون، فحمدالله وقال: الحمد لله، ما من نبي يتوفاه الله عزّوجلّ حتى يؤمّه رجل من امته. ولم يذكر أنه خرج ولا صلّى خلفه.
وهذا لا يصح، لأن أبا عبدالعزيز الترمذي ـ اسمه موسى بن عبيدة ابن نشيط ـ قال أحمد بن حنبل: لا تحلّ عندي الرواية عنه، وقال يحيى: ليس بشيء ولا يحتج بحديثه. وقال علي بن الجنيد الحافظ: هو متروك(24).
ثم إنما قال هذا الكلام إشارة إلى صلاته خلف ابن عوف، ثم لو أرادبه أبا بكر كان معناه حتى يقدم على امته بعضهم والرسول حي، أو أنه قصد أن يؤمه أبو بكر فلم يفعل أبو بكر، ولما كشف الستر لم يخرج، وفي ذلك اليوم توفي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وقد ذكر هذا الشيخ حديثنا عن عائشة بعينه وإسناده إلا أنه حذف آخره وهو موضع الحجة، وليس فيما ذكر منه حجة، إنما إراد تكثير العدد.
واحتج هذا الشيخ بحديث أنس وألفاظ الرواة فيه تختلف.
وهذا عند العلماء دليل على وهن الحديث، فرواه قتادة ـ وكان أحفظ الجماعة ـ عن أنس أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجد من نفسه خفّة، فخرج فقام مع القوم في الصّلاة في ثوب متوشّحاً به.
وهذا لا يدلّ على الإمامة، لأن الإمام مع القوم في الصّلاة. فإن قال: الإشارة إلى الصحابة وأنه قام معهم. قلنا: كذا كان، إلاّ أن أبا بكر تأخّر فأمّهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وقد رواه من حديث حميد عن أنس، وقتادة أحفظ لحديث أنس من حميد.
وقد روى هذا الحديث أبو حاتم ابن حبّان من حديث أبي بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن حميد عن ثابت عن أنس قال: آخر صلاة صلاّها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مع القوم في ثوب واحد متوشحاً به، قاعداً خلف أبي بكر.
والعجب له ـ وهو صاحب الجرح والتعديل ـ كيف يحتج بأبي بكر ابن أبي اويس وليس بشيء عند العلماء؟ قال أبو الفتح الأزدي الحافظ: أبو بكر بن أبي اويس يضع الحديث(25).
وقد روى هذا الشيخ هذا الحديث من طريق علي بن عاصم عن حميد الطويل عن أنس قال: صلّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خلف أبي بكر في ثوب متوشحاً به. و«علي بن عاصم» قد سمع منه أحمد وكان سيّء الرأي فيه، وقال يزيد بن هارون: مازلنا نعرف علي بن عاصم بالكذب، وقال يحيى: ليس بشيء، وقال النسائي: متروك الحديث(26).
وقد رواه من طريق إسماعيل القاضي. قال البرقاني: تفرّد إسماعيل بما قد خولف فيه.
وقد روى هذا الشيخ مثل هذا عن جابر بن عبدالله من ثلاثة طرق كلّها عن عبيد بن هشام الحلبي عن ابن المبارك. و«عبيد» مجهول لا يعرف، والمجهول عند المحدّثين لا يحتجّ به.
وروى هذا الشيخ من حديث أبي سعيد من طريق الواقدي، ومن طريق سيف بن عمر. وقد سبق أنهما كذابان.
ورواه من حديث ابن عمر: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجد خفة، فخرج ويده على علي عليه السّلام واليد الاخرى على الفضل، فصلّى خلف أبي بكر.
ورواه من حديث عبدالله بن حرب عن يعقوب بن إبراهيم السلمي. وكلاهما مجهول لا يعرف، وإنما تولّى على العباس لا على الفضل.
واحتج بحديث مرسل رواه الحسن: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج وأبو بكر يصلّي بالناس، فصلّى خلفه قاعداً. وهذا مرسل والمراسيل لا يرى الاحتجاج بها أكثر العلماء(27) خصوصاً مراسيل الحسن، قال ابن سيرين: كان الحسن لا يبالي ممن سمع.
واحتج بحديث رواه عن مالك قال: بلغنا أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صلّى خلف أبي بكر. وقد قلنا في المراسيل، ثم لا يدري من أي طريق بلغه؟!
واحتج بحديث المغيرة: أنه سئل هل أمّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم رجل من هذه الامّة غير أبي بكر؟ قال: نعم، فذكر حديث عبدالرحمن بن عوف. قال هذا الشيخ: في هذا الحديث إجماع الصحابة، لأنه سئل هل أمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم غير أبي بكر.
وهذا تغفيل، لأن سائلاً سأل فأجيب، فأين الإجماع؟ وحديث المغيرة الذي في الصحيح فيه تقدم عبدالرحمن بن عوف، وليس فيه أنه سئل هل أمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم غير أبي بكر؟ وقد ذكرنا أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جاء ليأتم بأبي بكر، وإنما أبو بكر امتنع، فكأنه قد أمّه.
واحتج بحديث رواه ابن إسحاق من حديث ابن زمعة أنه أمر عمر فصلّى بالناس، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: يأبى الله والمسلمون، فجاء أبو بكر فصلّى بالناس. وهذا لا حجة فيه أصلاً، لأن ذلك كان في بداءة المرض، على أن راويه ابن إسحاق قد كذّبه جماعة من العلماء، منهم: هشام بن عروة، وقال مالك بن أنس: كان دجّالاً من الدجالين(28).
واحتج بحديث رواه عن ابن إسحاق عن عمر بن درّ عن أبي بكر ابن حفص قال: لمّا ثقل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وجد خفة، فذهب أبو بكر يتأخر، فدفعه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال: صلّ، وقعد عن يمين أبي بكر. وهذا حديث مقطوع، لأن ابن حفص ليس بصحابي، وأما «عمر بن در» فقال علي بن الجنيد الحافظ: كان عمر مرجئاً ضعيفاً، وأما «ابن إسحاق»، فقد ذكرنا الطعن فيه.
واحتج بحديث رواه سيف بن عمر عن هلال بن عامر عن رافع عن أبيه قال: كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ربما خرج بعد ما يدخل أبو بكر في الصّلاة فيصلّي خلفه. وقد ذكرنا فيما تقدم أن سيفاً كان كذّاباً يضع الحديث، وقد اتفق الناس أنه ما جرى ذلك إلاّ مرّةً. وقد ذكر لسيف عن ابن إسحاق حديث آخر، وقد سبق الطعن فيهما.
واحتج بحديث رواه الواقدي. وقد بيّنا أنه كذاب، وقال فيه: قال الواقدي: سألت أبا بكر عبدالله بن أبي سبرة كم صلّى أبو بكر بالناس؟ قال: سبع عشرة صلاة. قال أحمد بن حنبل: كان أبو بكر ابن أبي سبرة يضع الحديث، وقال يحيى: ليس حديثه بشيء، وقال النسائي: متروك الحديث(29).
وما أحسن ما انتقى هذا الشيخ الأحاديث، ولكنه حاطب ليل لا يميّز، على أن معظم كتابه وأحاديثه نقله من كتاب أبي علي البرداني(30)، فما تعب هو في طلب الأحاديث.
وقد نظرت في كتاب البرداني وقد قال في أوّله: مذهب الجماعة أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صلّى قاعداً وصلّى أبو بكر بصلاته قائماً، وأتمّ الناس بأبي بكر. هذا لفظه. غير أنه حملته عصبية عامية فقال: إنما اقتدى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بأبي بكر يوم موته في صلاة الصبح، ولم يصلّ بعدها. وقلّده هذا الشيخ فذكر ذلك.
وهذه دعوى باطلة من ثلاثة أوجه:
أحدها: إنه لم ينقلها في رواية لها أصل.
والثاني: إن حديثنا عن عائشة المتفق عليه يردّ هذا، لأن عبيدالله ابن عبدالله قال لعائشة حدّثيني عن مرض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فذكرته له، فلو كان قد جرى فيه غير ذلك لأخبرته. وهذا يردّ قول من قال: كان ذلك في وقت آخر.
والثالث: إن جملة مرض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان اثني عشر يوماً، وكان يخرج فيصلّي بهم، وإنما تأخر ثلاثة أيام، فصلّى بهم أبو بكر في هذه الأيام الخمس عشرة صلاة، ففي اليوم الأول لم يخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وفي الثاني خرج لصلاة الظهر بين علي والعباس، فأجلساه عن يسار أبي بكر، على ما ذكرنا عن عائشة.
وقد روى أبو حاتم ابن حبان أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خرج بين بريرة وميمونة فأجلساه إلى جنب أبي بكر، فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يصلي وهو جالس، وأبو بكر قائم يصلّي بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر. قال أبوحاتم: وهذا يدلّ على أنها كانت صلاتين لا صلاة واحدة، لأن في خبر عبيدالله بن عبدالله عن عائشة: أنه خرج بين العباس وعلي، وفي خبر مسروق عن عائشة: أنه خرج بين بريرة وميمونة. فقد كان في احدى الصلاتين إماماً وفي الاخرى مأموماً.
قال المصنف قلت: وهذا فهم فاسد لوجوه:
أحدها: إن حديث عبيدالله عن عائشة مخرّج في الصحيحين، وحديث بريدة لم يخرّج.
والثاني: إنه لو صح، فإن الجاريتين تولاّه إلى الباب وتولاّه العباس وعلي إلى مكان الصلاة، إذ ليست العادة خروج النساء إلى مكان الصّلاة.
والثالث: إن حديث عبيدالله مفسّر، وهو قوله «فأجلساه عن يسار أبي بكر» وهذا موقف المأموم، وقال بعضهم: خرج بين بريرة وميمونة، وهذا لا يعرف ولا يضر، لأنه خرج بين جاريتين إلى الباب، وتولاه علي والعباس إلى موضع الصلاة.
فأما في اليوم الثالث، فإنه كشف السّتر وقت الفجر وأبصرهم ولم يخرج، والدليل عليه: ما أخبرنا به عبد الأوّل قال: أخبرنا الداودي قال أخبرنا ابن أعين قال: حدثنا الفربري قال: حدثنا البخاري قال: حدثنا أبو اليمان قال: أخبرنا شعيب عن الزهري قال: اخبرني انس بن مالك: إن أبا بكر كان يصلّي بهم في وجع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين ـ وهم صفوف في الصّلاة ـ كشف النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ستر الحجرة ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف، ثم تبسّم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فنكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن انّ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: أن أتمّوا صلاتكم، وأرخى الستر، فتوفّي من يومه.
هذا حديث متفق على صحّته، أخرجه البخاري ومسلم(31)، وهو يردّ ما زعمه هذا المتعصب من غير دليل، لأنه زعم أن الايتمام كان في فجر يوم الاثنين، وقد ذكرنا في الصحيحين إنما كشف الستر فرآهم يصلّون صلاة الفجر ولم يخرج، فلم يبق لمدّع قول، وتوفي صلّى الله عليه وآله وسلّم قبل دخول الظهر يومئذ.
وبالتقليد لمثل البرداني اغترّ هذا الشيخ، ولم يكن البرداني متفقّهاً في علوم الحديث ولا فقيهاً، إذ لو عرف علل الأحاديث التي ذكرها ـ وتلقّفها منه هذا الشيخ ـ ما عارض بها الصّحاح، ولو تبع شيخه القاضي أبا يعلى كان أليق به، غير أن العصيبة العاميّة تردّه من ذلك.
وحكى هذا الشيخ: أن أبا بكر القصري(32) لما سمع أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صلّى خلف أبي بكر قال: آمنت بهذا. وكتب هذا عنه. وهذه حجة قوية؟! فإن القصري كان قد قرأ القرآن فحسب، ولم يكن من المحدّثين ولا من الفقهاء، ولو حكى ذلك عن إمام ذي مذهب لكان محجوجاً بما ذكرنا.

(1) المسند 6 / 159، ورواه الخطيب في تاريخه 9 / 295 مع تقديم وتأخير في لفظه.
(2) أقول: ترجم الخطيب لشبابة في تاريخه 9 / 295 ـ 299، وقد أورد فيها جملة ما في المتن، وعليه صححنا ما كان في النسخة من خطأ فليلاحظ. كما ترجم له في كتب الرجال. راجع منها: تهذيب التهذيب 4 / 264.
(3) وقد وثقه النسائي وابن حبان، انظر تهذيب التهذيب 1 / 426.
(4) من المسند.
(5) المسند 6 / 159.
(6) تاريخ الخطيب 9 / 298.
(7) المصدر نفسه.
(8) هذا بناء على ما ذهب إليه جمهور أهل السنة من صحة أحاديث الكتابين، وأن ما أعرضا عنه ضعيف، وفي ذلك بحث طويل.
(9) زيادة يقتضيها السياق.
(10) زيادة يقتضيها السياق.
(11) زيادة يقتضيها السياق.
(12) وهو محمّد بن خازم الضرير الكوفي، ترجمته في التهذيب التهذيب 9 / 120.
(13) تاريخ بغداد 5 / 244 ـ 245، مع اختلاف في الالفاظ والمعنى واحد.
(14) الخطيب 5 / 245: وحدثني علي بن الحسن بن عمر القرشي ـ بصور عنه ـ قال اخبرنا الحسن بن رشيق العسكري حدثنا عبدالله بن محمّد بن رزيق قال: سئل أحمد بن الحسن . . .
(15) تاريخ بغداد 2 / 303.
(16) ترجمته في تهذيب التهذيب 8 / 25 ـ 26.
(17) ترجمته في تهذيب التهذيب 5 / 327 ـ 331.
(18) مسند أحمد 6 / 249 مع اختلاف يسير.
(19) نفس المصدر 6 / 251 مع اختلاف يسير.
(20) ترجمته في تهذيب التهذيب 4 / 259 ـ 260.
(21) ترجمته في تهذيب التهذيب 9 / 323 ـ 326.
(22) تهذيب التهذيب 6 / 199 ـ 200.
(23) لسان الميزان 3 / 316، الموضوعات لابن الجوزي 3 / 167.
(24) ترجمته في تهذيب التهذيب 10 / 318 ـ 321.
(25) تهذيب التهذيب 6 / 107، واسمه: عبدالحميد بن عبدالله.
(26) ترجمته في تهذيب التهذيب 7 / 302 ـ 305.
(27) يراجع كتب الدراية وعلوم الحديث.
(28) في تهذيب التهذيب 9 / 34 ـ 36 وغيره عن مالك: دجال من الدجاجلة.
(29) تهذيب التهذيب 12 / 25 ـ 26.
(30) هو أحمد بن محمّد أبو علي البرداني البغدادي الحنبلي الحافظ المتوفى سنة 498 . تذكرة الحفاظ 4 / 1232، المنتظم 17 / 92، شذرات الذهب 3 / 408.
(31) البخاري 1 / 166 ـ كتاب الاذان ـ باب أهل العلم والفضل احق بالامامة، صحيح مسلم 2 / 24 ـ كتاب الصلاة ـ باب استخلاف الامام إذا عرض له عذر.
(32) محمّد بن منصور البغدادي المتوفى سنة 547، طبقات القراء 2 / 266، طبقات المفسرين 472.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *