فصل

فصل
وأمّا المرّة الثانية، فكانت في مرضه صلّى الله عليه وآله وسلّم:
أخبرنا ابن الحصين قال: اخبرنا ابن المذهب قال: اخبرنا أحمد بن جعفر قال: حدثنا عبدالله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت: لما ثقل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقال: مروا أبا بكر فليصلّ بالناس، قالت فقلت: يارسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إن أبا بكر رجل أسيف، وأنه متى قام مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر، فقال: مروا أبا بكر فليصلّ بالناس، قالت فقلت لحفصة: قولي له فقالت له ]حفصة يا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إن أبا بكر رجل أسيف وأنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس، فلو أمرت عمر[(1) فقال: إنكن لأنتن صواحب يوسف(2). مروا أبا بكر فليصلّ بالناس.
فأمروا أبا بكر يصلّي بالناس، فلما دخل في الصّلاة وجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خفة، فقام يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض حتى دخل المسجد، فلما سمع أبو بكر حسّه ذهب ليتأخر، فأومأ إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن قم كما أنت، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى جلس عن يسار أبي بكر، فكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يصلي بالناس قاعداً وأبو بكر قائماً، يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والناس يقتدون بصلاة أبي بكر(3).
هذا حديث متفق على صحته، أخرجه البخاري(4) عن قتيبة وأخرجه مسلم(5) عن أبي بكر، كلاهما عن أبي معاوية.
وأخرجا في الصحيحين(6) من حديث موسى بن أبي عائشة عن عبيدالله ]عبدالله بن[ عتبة قال: دخلت على عائشة فقلت: حدثيني عن مرض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقالت: أرسل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى أبي بكر أن يصلي بالناس، ثم وجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من نفسه خفة، فخرج بين رجلين، ـ أحدهما العباس ـ وأبو بكر يصلّي بالناس، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر، فأومأ إليه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أن لا يتأخر، فأجلساه إلى جنب أبي بكر، فكان أبو بكر يصلّي وهو قائم بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، والناس يصلّون بصلاة أبي بكر.
قال عبيدالله: فدخلت على ابن عباس فعرضت حديثها عليه، فما أنكر منه شيئاً، غير أنه قال: أسمّت لك الرجل الذي كان مع العباس؟ قلت: لا، قال هو علي بن أبي طالب(7).
وأخرجاه في الصحيحين من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال: أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أبا بكر أن يصلّي بالناس في مرضه، قال عروة: فوجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من نفسه خفة، فخرج وإذا أبو بكر يؤم الناس، فلما رآه أبو بكر استأخر، فأشار إليه أن كما أنت، فجلس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى جنبه، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والناس يصلّون بصلاة أبي بكر(8).
وقد أخرجه الإمام أحمد من طرق عن عائشة، فلم أر الإطالة بذكرها.
أخبرنا ابن الحصين قال: اخبرنا ابن المذهب قال: اخبرنا أحمد ابن جعفر قال: حدثنا عبدالله بن أحمد قال: حدثني(9) أبي عن الأرقم ابن شرحبيل عن ابن عباس قال: لما مرض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، ثم وجد خفة، فخرج، فلما أحسّ ]به [أبو بكر أراد أن ينكص، فأومأ إليه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فجلس إلى جنب أبي بكر عن يساره، واستفتح من الآية التي انتهى إليها أبو بكر(10).
قال أحمد: وحدثنا وكيع قال: حدثنا اسرائيل عن أبي إسحاق عن الأرقم ]ارقم بن شرحبيل[ عن ابن عباس قال: لما مرض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جاء بلال مؤذنه بالصلاة، فصلّى بالناس، ووجد رسول الله خفة، فخرج يتهادى بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض، فلما رآه الناس سبحوا بأبي بكر، فذهب يتأخر، فأومأ إليه أي مكانك، فجاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى جلس، وقام أبو بكر عن يمينه، فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والناس يأتمون بأبي بكر، وأخذ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من القراءة من حيث كان بلغ أبو بكر(11).
وفي هذه الاحاديث الصحاح المشروحة أظهر دليل على أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان الإمام لأبي بكر، لأنه جلس عن يساره. وقولهم يقتدي أبو بكر بصلاة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دليل على أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كان الإمام، فمن المعاند الآن؟ ومن صاحب الهوى؟

(1) من المسند.
(2) ذكرنا معناه في المقدمة.
(3) مسند أحمد 6 / 224 مع اختلاف يسير.
(4) في صحيحه 1 / 166 ـ 176.
(5) في صحيحه كتاب الصلاة باب استخلاف الامام إذا عرض له عذر . . . ج 2 / 20.
(6) صحيح البخاري 1 / 168 كتاب الاذان باب أهل العلم والفضل احق بالامامة، صحيح مسلم كتاب الصلاة، باب استخلاف الامام إذا عرض له عذر.
(7) تكلمنا بعض الشيء على هذا الامر في المقدمة.
(8) صحيح مسلم كتاب الصلاة باب استخلاف الامام إذا عرض له عذر . . . صحيح البخاري 1 / 166 كتاب الاذان، باب أهل العلم والفض احق بالامامة.
(9) في المسند: حدثنا عبدالله حدثني أبي ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة حدثني أبي عن أبي اسحاق عن الارقم بن شرحبيل عن ابن عباس قال.
(10) مسند أحمد 1 / 231 ـ 232.
(11) أقول: هذا نص الحديث في المسند 1 / 356:
لما مرض رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مرضه الذي مات فيه كان في بيت عائشة، فقال: ادعوا لي علياً، قالت عائشة: ندعو لك أبا بكر، قال: ادعوه، قالت حفصة يارسول الله ندعو لك عمر، فقال: ادعوه، قالت أم الفضل: يارسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ندعو لك العباس، قال: ادعوه، فلما اجتمعوا رفع رأسه فلم ير علياً، فسكت، فقال عمر: قوموا عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال: مروا أبا بكر يصلى بالناس، فقالت عائشة: إن أبا بكر رجل حصر ومتى مالا يراك الناس يبكون، فلو أمرت عمر يصلي بالناس، فخرج أبو بكر فصلّى بالناس، ووجد النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من نفسه خفة، فخرج يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان في الأرض، فلما رآه الناس سبحوا ]كذا والظاهر: سحبوا [أبا بكر فذهب يتأخر، فأومأ إليه أي مكانك، فجاء النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حتى جلس، قال: وقام أبو بكر عن يمينه، وكان أبو بكر يأتم بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والناس يأتمون بأبي بكر. قال ابن عباس: وأخذ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم من القراءة من حيث بلغ أبو بكر. ومات في مرضه ذاك عليه السّلام. وقال وكيع مرة: فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم والناس يأتمون بأبي بكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *