فصل

فصل
ورأيت هذا الشيخ قد اعجب بما جمع من هذه الأحاديث التي قد أخذ بعضها من مغازي ابن إسحاق، وبعضها من الفتوح لسيف، وقد بيّنا كذبهما، ونقل حديث شبابة من المواضع المعروفة، ونقل أحاديث من الشواذ والمقاطيع، ثم قال لإعجابه بنفسه: قد نقلت هذه الأحاديث من طرق، وأين أنا ممن تقدّمني من الحفاظ، فنفسي تصغر عندي، وأنشد:
ولكن بكت قبلي فهاج لي البـ *** ـكاء بكاها فقلت الفضل للمتقدم
فيقال له: اعيذك بالله فما قصّرت، وهل تعدّيت الكتب المعروفة؟ نقلت كتاب البرداني وأحاديثه، فإن جئت بشاذ فليس بشيء، وقد كثّرت العدد بالبارع، ثم عدت فأعدت رجال الأحاديث التي كتبتها لتكثير أوراق الجزء، فلا تغتر بتكثير عددها ولا صحة لها، فإن أبا بكر الخطيب جمع كتاب «الحمد بالبسملة» وروى فيه عن أربعة عشر من الصحابة أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جهر، وطرّق الأحاديث وبالغ، فلم يأخذ بشيء منها أبوحنيفة ولا مالك ولا أحمد.
وقال لنا أصحاب الشافعي: معنا أربعة عشر صحابي، ومعكم حديث أنس وابن المغفل، وكيف يقدّم واحد أو اثنان على أربعة عشر؟
قلنا: العمل على ما صحّ لا على ما كثر، وقد بيّنت في كتابي المسمى بـ(التحقيق في أحاديث التعليق) أن جميع طرق تلك الأحاديث واهية. وقد سئل الدارقطني: أصحّ عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه جهر؟ قال: لا، هذا قوله مع كونه قد روى أحاديث الجهر في سننه.
وقد روى أصحاب أبي حنيفة في إيجاب الزكاة في الحليّ عشرة أحاديث، ولنا نحن حديث واحد، فليس الاعتبار بالكثرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *