الدليل السابع

(7)
لقد نقل ابن أبي الحديد عن شيخه أبي يعقوب يوسف بن إسماعيل اللّمعاني كلاماً طويلاً حول عائشة ومواقفها مع علي، جاء فيه:
فلما ثقل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في مرضه، أنفذ جيش اسامة، وجعل فيه أبا بكر وغيره من أعلام المهاجرين والأنصار، فكان علي عليه السّلام حينئذ بوصوله إلى الأمر ـ إن حدث برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حدث ـ أوثق، وتغلب على ظنه أن المدينة لو مات لخلت من منازع ينازعه الأمر بالكليّة، فيأخذه صفواً عفواً، وتتم له البيعة، فلا يتهيأ فسخها لو رام أحد منازعته عليها، فكان ـ من عود أبي بكر من جيش اسامة بإرسالها إليه وإعلامه بأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يموت ـ ما كان، ومن حديث الصلاة بالناس ما عرف.
فنسب علي عليه السّلام إلى عائشة أنها أمرت بلالاً مولى أبيها أن يأمره فليصلّ بالناس، لأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ كما روي ـ قال «ليصلّ بهم أحدهم» ولم يعيّن، وكانت صلاة الصبح.
فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وهو في آخر رمق ـ يتهادى بين علي والفضل بن العباس، حتى قام في المحراب ـ كما ورد في الخبر ـ ثم دخل فمات ارتفاع الضحى.
فجعل يوم صلاته حجة في صرف الأمر إليه وقال: أيكم يطيب نفساً أن يتقدم قدمين قدّمهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الصلاة؟ ولم يحملوا خروج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الصلاة لصرفه عنها، بل لمحافظته على الصلاة مهما أمكن.
فبويع على هذه النكتة التي اتهمها علي عليه السّلام على أنها ابتدأت منها.
وكان علي عليه السّلام يذكر هذا لأصحابه في خلواته كثيراً، ويقول: إنه لم يقل صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنكن لصويحبات يوسف، إلا إنكاراً لهذه الحال، وغضباً منها، لأنها وحفصة تبادرتا إلى تعيين أبويهما، وأنه استدركها بخروجه وصرفه عن المحراب، فلم يجد ذلك ولا أثر، مع قوة الداعي الذي كان يدعو إلى أبي بكر ويمهد له قاعدة الأمر وتقرر حالة في نفوس الناس، ومن اتبعه على ذلك من أعيان المهاجرين والأنصار . . .
فقلت له رحمه الله: أفتقول أنت: إن عائشة عيّنت أباها للصّلاة ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يعيّنه؟
فقال: أما أنا فلا أقول ذلك، ولكن علياً كان يقوله، وتكليفي غير تكليفه، كان حاضراً ولم أكن حاضراً(1) . . .
أقول: لقد شهد هذا العلامة المحقق بأن عليّاً عليه السّلام كان يقول ويعتقد بأن عائشة عيّنت أباها للصّلاة، ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يعينه، و«علي مع الحق والحق مع علي»(2).

(1) شرح النهج 9 / 196 ـ 198.
(2) كما في الاحاديث الكثيرة الواردة في كتب أهل السنة بالالفاظ المختلفة أنظر: صحيح الترمذي 5 / 592 والمستدرك 3 / 124 وجامع الاصول 9 / 420 ومجمع الزوائد 7 / 235 وكنوز الحقائق: 70 وغيرها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *