الدليل الخامس

(5)
قال أبوجعفر الطبري في تاريخه ما نصّه:
حدّثنا أبو كريب قال: حدثنا يونس بن بكير قال: حدثنا يونس بن عمرو عن أبيه عن الأرقم بن شرحبيل قال: سألت ابن عباس: أوصى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم؟
قال: لا.
قلت: فكيف كان ذلك؟
قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: ابعثوا إلى علي فادعوه، فقالت عائشة: لو بعثت إلى أبي بكر، وقالت حفصة: لو بعثت إلى عمر. فاجتمعوا عنده جميعاً، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: انصرفوا، فإن تك لي حاجة أبعث إليكم، فانصرفوا.
وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: آن وقت الصلاة؟
قيل: نعم.
قال: فأمروا أبا بكر ليصلّي بالناس.
فقالت عائشة: إنه رجل رقيق، فمر عمر.
فقال: مروا عمر.
فقال عمر: ما كنت لأتقدّم وأبو بكر شاهد.
فتقدّم أبو بكر، ووجد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خفّة فخرج، فلما سمع أبو بكر حركته تأخر . . .»(1).
وتعطينا هذه الرواية: إن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد بعث إلى علي ليوصي إليه بما كان يهمه حينذاك ـ ولو لا ذلك لما حدث ابن عباس بالحديث في جواب السؤال عن وصيته صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ومما يشهد بذلك ما رووه عن عائشة أنها قالت: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وهو في بيتها لما حضره الموت ـ ادعوا لي حبيبي، فدعوت له أبا بكر، فنظر إليه ثم وضع رأسه.
ثم قال: ادعوا لي حبيبي، فدعوت له عمر فلما نظر إليه وضع رأسه.
ثم قال: ادعوا لي حبيبي، فقلت: ويلكم ادعوا له عليّاً، فوالله ما يريد غيره، فلما رآه أفرج الثوب الذي كان عليه ثم أدخله معه، فلم يزل محتضنه حتى قبض ويده عليه»(2).
وهذا هو المرويّ في الصحيح عن سيّدتنا اُمّ سلمة(3).
وهو الذي أجمع عليه أهل البيت عليهم السّلام.
وهكذا كان علي وصيّ رسول الله، أوصى إليه بوصاياه قبل ذلك الوقت، وفي ذلك الوقت، وإنْ حاولت عائشة أنْ تحول دون حضوره عنده صلّى الله عليه وآله غير مرّة قائلةً: لو بعثت إلى أبي بكر»!! فتبعتها حفصة بقولها «لو بعثت إلى عمر»(4).
وتعطينا أيضاً: إن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم هو القائل لهم: «إنصرفوا».
وتعطينا أيضاً: أنه لم يأمر باجتماعهم عنده، ولم تكن له حاجة إليهم، حيث قال لهم بعد الأمر بالانصراف «فإن تك لي حاجة أبعث إليكم».
فكيف يعود ويأمر أبا بكر بالصلاة؟ ثم يعدل برأيه إلى عمر فيأمره بها؟ ولو كان الأمر هو الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم لما قال عمر: «ما كنت لأتقدّم وأبو بكر شاهد»!!
ولو كان ذلك كلّه، لما خرج صلّى الله عليه وآله وسلّم معتمداً على رجلين لينحّي أبا بكر عنها!!

(1) تاريخ الطبري 2 / 439.
(2) تاريخ دمشق 42 / 393، الرياض النضرة 2 / 180، كفاية الطالب: 262، ذخائر العقبى: 72.
(3) مسند أحمد 6 / 300، المستدرك 3 / 138، خصائص علي: 130 و غيرها.
(4) ويلاحظ أنه ليس في هذا الحديث: وقالت أم الفضل . . .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *