حقيقة الإستحسان

حقيقة الإستحسان
لا يخفى أن موارد فتاوى القوم على خلاف الكتاب والسنّة، بل إتّباعاً للهوى، كثيرة لا تحصى…
ومع ذلك، فإنّ من جملة أدلّتهم هو «الإستحسان» وهو ليس إلاّ الحكم بما تهواه الأنفس، ولا شاهد عليه من الكتاب والسنّة، ومن هنا قال الشافعي بأنّ الإستحسان تشريع محض كما حكاه شارح (مختصر الاصول):
«الإستحسان: قال الحنفيّة والحنابلة يكون دليلاً، وأنكره غيرهم.
قال الشافعي: من استحسن فقد شرّع، يعني من أثبت حكماً بأنّه مستحسن عنده من غير دليل من قبل الشارع فهو الشارع لذلك الحكم، لأنّه لم يأخذه من الشارع، وهو كفر أو كبيرة»(1).
فقال الكرماني في حاشيته (النقود والردود):
«قوله: فهو الشارع، أي الواضع، وإثبات الحكم من تلقاء نفسه بلا دليل كفر إن اعتقد جوازه له، أو كبيرة إن لم يعتقد الجواز».
وقال الدهلوي في (الإنصاف) في بيان موارد مخالفة الشافعي:
«ومنها: إنّه رأى قوماً من الفقهاء يخلطون الرأي الذي لم يسوّغه الشرع بالقياس الذي أثبته، فلا يميّزون واحداً منهما من الآخر، ويسمّونه تارة بالاستحسان، وأعني بالرأي أن ينصب مظنّة حرج أو مصلحة علّة لحكم، وإنّما القياس أن تخرج العلّة من الحكم المنصوص ويدار عليها الحكم، فأبطل هذا النوع أتمّ إبطال وقال: من استحسن فإنّه أراد أن يكون شارعاً; حكاه ابن الحاجب في مختصر الاُصول.
مثاله: رشد اليتيم أمر خفي، فأقاموا مظنّة الرشد ـ وهو بلوغ خمس وعشرين سنة ـ مقامه وقالوا: إذا بلغ اليتيم هذا العمر سلّم إليه ماله، قالوا: هذا إستحسان، والقياس أن لا يسلم إليه.
وبالجملة، فلمّا رأى الشافعي في صنيع الأوائل مثل هذه الاُمور أخذ الفقه من الرأس، فأسّس الاُصول وفرّع الفروع، وصنّف الكتب، فأجاد وأفاد واجتمع عليها الفقهاء»(2).

أقول:
فبمثل هذه الكلمات يعرف حال أبي حنيفة وغيره ممّن يستعمل الاستحسان في الدين!
وكذلك قال الدهلوي في كتابه (حجة الله البالغة).
فتأمّل حتّى يأتيك اليقين، ولا تكن ممّن يضلّ عن الدين بتسويلات الشياطين، والله الموفّق والمعين.

(1) شرح مختصر الاصول 2: 459.
(2) الانصاف في بيان اسباب الاختلاف: 44 ـ 45.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *