أبو هريرة في نظر الصحابة

أبو هريرة في نظر الصحابة
وقد كان أبو هريرة متّهماً بالكذب والإختلاق على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عند الصحابة، وعلى رأسهم أميرالمؤمنين عليه السلام، وكان عمر وعثمان وعائشة أيضاً من الطاعنين عليه، قال ابن قتيبة ـ في بحث له مع بعضهم:
«فأمّا طعنه على أبي هريرة بتكذيب عمر وعثمان وعلي وعائشة له، فإنّ أباهريرة صحب رسول الله نحواً من ثلاث سنين، وأكثر الرواية عنه، وعمَّر بعده نحواً من خمسين سنة، وكانت وفاته سنة تسع وخمسين… فلمّا أتى من الرواية عنه صلّى الله عليه وسلّم بما لم يأتِ بمثله من صحبه من أجلّة أصحابه والسابقين الأوّلين إليه، اتّهموه وأنكروا عليه وقالوا: كيف سمعت هذا وحدك؟ ومن سمعه معك؟ وكانت عائشة أشدّهم إنكاراً عليه لتطاول الأيّام بها وبه، وكان عمر أيضاً شديداً على من أكثر الرواية»(1).
والمؤيّدات لما أفاده ابن قتيبة في كتب القوم كثيرة، ومن ذلك: قول الشمس الخلخالي بشرح الحديث عن أبي هريرة:
«قوله: إنّكم تقولون. الخطاب للصحابة، أكثر أبو هريرة عن النبي. أي: أكثر الرواية عنه عليه السلام، والله الموعد: أي: لقاء الله موعدنا يعني مرجعنا. يعني به يوم القيامة ، فيظهر عنده صدق الصادق وكذب الكاذب لا محالة، لأنّ الأسرار تنكشف هنالك»(2).
فالقائلون والمتكلّمون في إكثار أبي هريرة هم «الصحابة» وقد كانوا يتّهمونه بالكذب، وفي يوم القيامة يظهر الصادق والكاذب!
وقول القاري في (المرقاة) بشرحه كذلك:
«وعنه ـ أي عن أبي هريرة ـ قال: إنّكم، أي معشر التابعين، وقيل: الخطاب مع الصحابة المتأخرين، تقولون: أكثر أبو هريرة، أي الرواية عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، والله الموعد، أي موعدنا، فيظهر عنده صدق الصادق وكذب الكاذب، لأنّ الأسرار تنكشف هنالك. وقال الطّيبي: أي: لقاء الله الموعد، أي موعدنا يوم القيامة، فهو يحاسبني على ما أزيد أو أنقص، لاسيّما على رسول الله، وقد قال: من كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّء مقعده من النّار»(3).
والحاصل: إنّ الصّحابة والتابعين كانوا يكذّبون أباهريرة، ولا يصدّقونه في روايته، ولا يعتمدون عليه ولا يأخذون بها، كما سيأتي عن عائشة.
وفي (الجمع بين الصحيحين) عن أبي رزين قال:
«خرج إلينا أبو هريرة، فضرب بيده على جبهته فقال: ألا، إنّكم تحدّثون أنّي أكذب على رسول الله…»(4).
وفي هذا دليل واضح على أنّه كان في نظر القوم مفترياً على رسول الله…
وأمّا ما أشار إليه ابن قتيبة من ردود عائشة عليه، وأنّه قد طال ذلك بينهما، فإنّ موارد ردّها عليه كثيرة، يجدها المتتبّع في كتب القوم.

(1) تأويل مختلف الحديث: 41.
(2) المفاتيح في شرح المصابيح ـ مخطوط.
(3) المرقاة في شرح المشكاة 5: 458.
(4) الجمع بين الصحيحين 3: 123/2333.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *