ترجمة أبي زرعة الرازي

ترجمة أبي زرعة الرازي
وأبو زرعة الرازي، المتوفى سنة 264، من أعلام أئمّة القوم:
قال الذهبي: «م ت س ق ـ عبيدالله بن عبدالكريم، أبو زرعة الرازي، الحافظ، أحد الأعلام، عن أبي نعيم والقعنبي وقبيصة وطبقتهم في الآفاق. وعنه: م ت س ق، وأبو عوانة، ومحمّد بن الحسين، والقطّان، واُمم.
قال ابن راهويه: كلّ حديث لا يعرفه أبو زرعة فليس له أصل.
مناقبه تطول»(1).
وقال ابن حجر: «م ت س ق ـ عبيدالله بن عبدالكريم بن يزيد بن فروخ، أبو زرعة الرازي، إمام، حافظ، ثقة، مشهور، من الحادية عشر»(2).
وقال اليافعي: «الحافظ، أحد الأئمّة الأعلام… قال أبو حاتم: لم يخلّف بعده مثله علماً وفقهاً وصيانةً وصدقاً، وهذا ممّا لا يرتاب فيه، ولا أعلم من المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله. وقال إسحاق بن راهويه: كلّ حديث لا يحفظه أبو زرعة ليس له أصل»(3).
وقال الخطيب البغدادي: «عبيدالله بن عبدالكريم بن يزيد بن فروخ، أبوزرعة الرازي… كان إماماً ربّانيّاً متقناً حافظاً مكثراً صادقاً. قدم بغداد غير مرّة، وجالس أحمد بن حنبل وذاكره وحدّث، فروى عنه من البغداديّين: إبراهيم بن إسحاق الحربي وعبدالله بن أحمد بن حنبل وقاسم بن زكريّا المطرز…
حدّثني الأزهري، حدّثنا عبيدالله بن محمّد العكبري قال: سمعت أحمدبن سلمان قال: سمعت عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: لمّا ورد علينا أبو زرعة نزل عندنا، فقال لي أبي: يا بنيّ قد اعتضت بنوافلي مذاكرة هذا الشيخ.
أخبرني إبراهيم بن عمر البرمكي: حدّثنا عبيدالله بن محمّد بن محمّد ابن حمدان العكبري، حدّثنا أبو حفص عمر بن محمّد بن رجاء قال: سمعت عبدالله ابن أحمد بن حنبل يقول: لمّا قدم أبو زرعة نزل عند أبي، فكان كثير المذاكرة له، فسمعت أبي يوماً يقول: ما صلّيت غير الفرض، استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي.
أخبرني محمّد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمّد بن نعيم الضبي، حدّثنا أحمد بن الحسين القاضي عن بعض شيوخه قال: سمعت عبدالله بن أحمد بن حنبل يقول: قلت لأبي: يا أبت مَنِ الحفّاظ؟ قال: يا بني، شباب كانوا عندنا من أهل خراسان وقد تفرّقوا، قلت: من هم يا أبت؟ قال: محمّد ابن إسماعيل ذاك البخاري، وعبيدالله بن عبدالكريم ذاك الرازي، وعبدالله بن عبدالرحمن ذاك السمرقندي، والحسن بن شجاع ذاك البلخي.
أخبرني محمّد بن علي المقرئ، أخبرنا أبو مسلم ابن مهران، أخبرنا عبدالمؤمن بن خلف النسفي قال: سمعت أبا علي صالح بن محمّد يقول: سمعت أبازرعة يقول: كتبت عن رجلين مائتي ألف حديث، كتبت عن إبراهيم الفراء مائة ألف حديث، وعن ابن أبي شيبة عبدالله مائة ألف حديث.
أخبرني أبو زرعة روح بن محمّد الرازي ـ إجازة شافهني بها ـ أخبرنا عليّ ابن محمّد بن عمر القصّار، حدّثنا عبدالرحمن بن أبي حاتم. قال: قلت لأبي زرعة: تحزر ما كتبت عن إبراهيم بن موسى مائة ألف؟ قال: مائة ألف كثير، قلت: فخمسين ألفاً؟ قال: نعم، وستّين ألفاً، وسبعين ألفاً. أخبرني من عدّ كتاب الوضوء والصلاة فبلغ ثمانية عشر ألف حديث.
أخبرنا أبوبكر البرقاني قال: قال محمّد بن العبّاس العصمي، حدّثنا يعقوب ابن إسحاق بن محمود الفقيه قال: حدّثنا صالح بن محمّد الأسدي قال: حدّثني سلمة بن شبيب، حدّثني الحسن بن محمّد بن أعين، حدّثنا زهيربن معاوية قال: حدّثتنا اُم عمرو بنت شمر قالت: سمعت سويد بن غفلة يقرأ (وعيسٌ عين) يريد حور عين. قال صالح: ألقيت هذا على أبي زرعة فبقي متعجّباً، وقال: أنا أحفظ في القراءات عشرة آلاف حديث، قلت: فتحفظ هذا؟ قال: لا.
أخبرنا أبوالقاسم رضوان بن محمّد بن الحسن الدينوري: حدّثنا أبو علي حمد بن عبدالله الأصبهاني قال: سمعت أباعبدالله عمر بن محمّد بن إسحاق العطّار يقول: سمعت عبدالله بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبي يقول: ما جاوز الجسر أفقه من إسحاق بن راهويه، ولا أحفظ من أبي زرعة.
حدّثنا أبوطالب يحيى بن علي بن الطيّب الدسكري ـ لفظاً بحلوان ـ أخبرنا أبوبكر ابن المقرئ ـ بأصبهان ـ حدّثنا عبدالله بن محمّد بن جعفر القزويني ـ بمصر ـ قال: سمعت أباحفص عمر بن مقلاص يقول: كان أبو زرعة هاهنا عندنا بمصر ـ سنة تسع وعشرين ومائتين ـ إذا فرغ من سماع ابن بكير وعمرو بن خالد والشيوخ، اجتمع إليه أصحاب الحديث، فيملي عليهم وهو ابن سبع وعشرين سنة.
وقال عبدالله: سمعت يزيد بن عبدالصمد يقول: قدم علينا أبو زرعة الرازي سنة ثمان وعشرن فما رأينا مثله، وكنّا نجلس إليه، فلمّا أراد الخروج قلت له: يا أبازرعة، إجعلني خليفتك في هذه الحلقة، قال: فقال لي: قد جعلتك.
قال عبدالله: سمعت محمّد بن عوف يقول: قدم علينا أبو زرعة فما ندري ممّا يتعجّب منه؟! ممّا وهب الله له من الصيانة والمعرفة، مع الفهم الواسع. قال محمّد: قال لي أبو زرعة: ولدت سنة مائتين.
أخبرنا أبو زرعة الرازي ـ إجازة ـ أخبرنا عليّ بن محمّد بن عمر القصار حدّثنا عبدالرحمن بن أبي حاتم قال: سمعت أبا زرعة يقول: أردت الخروج من مصر، فجئت لاُودّع يحيى بن عبدالله بن بكير فقلت: تأمر بشيء؟ فقال: أخلف الله علينا بخير.
أخبرنا عليّ بن محمّد المقرئ: أخبرنا صالح بن أحمد بن محمّد الهمذاني الحافظ، أخبرنا عبدالرحمن بن حمدان المرزبان، قال: قال أبو حاتم الرازي: إذا رأيت الرازي وغيره يبغض أبازرعة فاعلم أنّه مبتدع.
أخبرنا أبو سعد الماليني ـ قراءة ـ حدّثنا عبدالله ابن عدي الحافظ قال: سمعت محمّد بن إبراهيم المقرئ يقول: سمعت فضلك الصائغ يقول: دخلت المدينة، فصرت إلى باب أبي مصعب، فخرج إليّ شيخ مخضوب ـ وكنت أنا ناعساً فحرّكني ـ فقال: يا مردريك، من أين أنت؟ لأيّ شيء تنام؟ فقلت: أصلحك الله، من الري، من بعض شاكردي أبي زرعة، فقال: تركت أبازرعة وجئتني؟! لقيت مالك بن أنس وغيره، فما رأت عيناي مثله.
وقال أيضاً: سمعت فضلك الصائغ يقول: دخلت على الربيع بمصر، فقال لي: من أين أنت؟ قلت: من أهل الري ـ أصلحك الله ـ من بعض شاكردي أبو زرعة. فقال: تركت أبازرعة وجئتني؟! إنّ أبازرعة آية، وإنّ الله إذا جعل إنساناً آية أبان من شكله حتّى لا يكون له ثان.
حدّثنا أبوطالب الدسكري، أنبأنا أبوبكر ابن المقرئ، حدّثنا عبدالله بن محمّد بن جعفر القزويني قاضي الرملة ـ بمصر ـ قال: سمعت يونس بن عبدالأعلى سنة تسع وخمسين ومائتين يقول ـ وذكر أبازرعة الرازي ـ فقال: أبو زرعة آية، وإذا أراد الله أن يجعل عبداً من عباده آية جعله.
أخبرنا أبو سعد الماليني، أخبرنا عبدالله ابن عدي، أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد قال: حدّثني الحضرمي قال: سمعت أبابكر ابن أبي شيبة، وقيل له: من أحفظ من رأيت؟ قال: ما رأيت أحداً أحفظ من أبي زرعة الرازي.
كتب إليّ أبو حاتم أحمد بن الحسن بن محمّد بن خاموش الواعظ ـ من الري، بخطّه ـ قال: سمعت أحمد بن الحسن بن محمّد العطّار، يذكر عن محمّد بن أحمد بن جعفر الصيرفي، حدّثنا أبو جعفر أحمد بن محمّد بن سليمان التستري قال: سمعت أبازرعة يقول: إنّ في بيتي ما كتبته منذ خمسين سنة، ولم اُطالعه منذ كتبته، وإنّي أعلم في أيّ كتاب هو، في أيّ ورقة هو، في أيّ صفحة هو، في أيّ سطر هو. قال: وسمعت أبازرعة يقول: ما سمعت اُذني شيئاً من العلم إلاّ وعاه قلبي، وإنّي كنت أمشي في سوق بغداد فأسمع من الغرف صوت المغنّيات، فأضع أصبعي في اُذني مخافة أن يعيه قلبي.
أخبرني أبوبكر أحمد بن محمّد بن عبدالواحد المروذي، حدّثنا محمّد ابن عبدالله بن محمّد الحافظ ـ بنيسابور ـ قال: سمعت أباحامد أحمد بن محمّد المقرئ الفقيه الواعظ يقول: سمعت أباالعبّاس محمّد بن إسحاق الثقفي يقول: لمّا انصرف قتيبة بن سعيد إلى الري، سألوه أن يحدّثهم فامتنع وقال: اُحدّثكم بعد أن حضر مجالسي أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعليّ بن المديني، وأبوبكر ابن أبي شيبة، وأبو خيثمة؟! قالوا له: فإنّ عندنا غلاماً يسرد كلّ ما حدّثت به مجلساً مجلساً، قم يا أبازرعة، فقام أبو زرعة، فسرد كلّ ما حدّث به قتيبة، فحدّثهم قتيبة.
حدّثنا محمّد بن يوسف القطان النيسابوري ـ لفظاً ـ أخبرنا محمّد بن عبدالله بن محمّد بن حمدويه الحافظ قال: سمعت أباجعفر محمّد بن أحمد الرازي يقول: سمعت أباعبدالله محمّد بن مسلم بن وارة يقول: كنت عند إسحاق بن إبراهيم بنيسابور، فقال رجل من أهل العراق: سمعت أحمد بن حنبل يقول: صحّ من الحديث سبعمائة ألف حديث وكسر، وهذا الفتى: ـ يعني أبازرعة ـ قد حفظ ستمائة ألف.
أخبرنا أبو سعد الماليني، حدّثنا عبدالله بن عدي قال: سمعت الحسن ابن عثمان التستري يقول: سمعت محمّد بن مسلم بن وارة يقول: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: كلّ حديث لا يعرفه أبو زرعة الرازي ليس له أصل.
حدّثني أبو القاسم عبدالله بن أحمد بن علي السوذرجاني ـ لفظاً، بأصبهان ـ وأبوطالب يحيى بن علي بن الطيب الدسكري ـ لفظاً، بحلوان ـ قال يحيى حدّثنا، وقال الآخر: أنبأنا أبوبكر ابن المقرئ، حدّثنا عبدالله بن محمّدبن جعفر القزويني ـ بمصر ـ قال سمعت محمّد بن إسحاق الصاغاني يقول ـ في حديث ذكره من حديث الكوفة فقال: هذا أفادنيه أبو زرعة عبيدالله بن عبدالكريم، فقال له بعض من حضر: يا أبابكر، أبوزرعة من أولئك الحفّاظ الذين رأيتهم؟ وذكر جماعة من الحفّاظ، منهم الفلاس. فقال: أبو زرعة أعلاهم، لأنّه جمع الحفظ مع التقوى والورع، وهو يشبه بأبي عبدالله أحمد بن حنبل.
أخبرنا أبو نعيم الحافظ: حدّثنا الحسن بن محمّد الزعفراني، حدّثنا أحمد بن محمّد بن عمر، حدّثنا أبوبكر ابن بحر، حدّثنا محمّد بن الهيثم بن علي النسوي، قال: لمّا أن قدم حمدون البرذعي على أبي زرعة لكتابة الحديث، دخل عليه فرأى في داره أواني وفرشاً كثيراً، قال: وكان ذلك لأخيه، فهمّ أن يرجع ولا يكتب عنه، فلمّا كان من اللّيل رأى كأنّه على شط بركة، ورأى ظلّ شخص في الماء، فقال: أنت الذي زهدت في أبي زرعة؟! أعلمت أنّ أحمد بن حنبل كان من الأبدال، فلمّا أن مات أبدل الله مكانه أبازرعة.
أخبرنا الماليني: أخبرنا عبدالله بن عدي، حدّثنا أحمد بن محمّد بن سليمان القطان، حدّثنا أبو حاتم الرازي، حدّثني أبو زرعة عبيدالله بن عبدالكريم بن يزيد القرشي، وما خلّف بعده مثله علماً وفهماً، وصيانةً وحذقاً، وهذا ما لا يرتاب فيه، ولا أعلم من المشرق والمغرب من كان يفهم من هذا الشأن مثله، ولقد كان من هذا الأمر بسبيل.
وقال ابن عدي: سمعت عبدالملك بن محمّد يقول: سمعت ابن خراش يقول: كان بيني وبين أبي زرعة موعد أن اُبكّر عليه فاُذاكره، فبكّرت فمررت بأبي حاتم وهو قاعد وحده، فدعاني فأجلسني معه يذاكرني حتّى أصبح النهار، فقلت له: بيني وبين أبي زرعة موعد، فجئت إلى أبي زرعة والناس عليه منكبّون، فقال لي: تأخّرت عن الموعد؟ قلت: بكّرت فمررت بهذا المستوحش فدعاني فرحمته لوحدته، وهو أعلا إسناداً منك، وضربت أنت بالدست. أو كما قال.
أخبرنا أبو منصور محمّد بن عيسى بن عبدالعزيز البزاز ـ بهمذان ـ حدّثنا صالح بن أحمد بن محمّد الحافظ قال: سمعت القاسم بن أبي صالح يقول: سمعت أباحاتم الرازي يقول: أبو زرعة إمام.
أخبرنا البرقاني: أخبرنا علي بن عمر الدارقطني، أخبرنا الحسن بن رشيق حدّثنا عبدالكريم بن أبي عبدالرحمن النسائي عن أبيه. ثمّ حدّثني الصوري، أخبرنا الخصيب بن عبدالله قال: ناولني عبدالكريم ـ وكتب لي بخطّه ـ قال: سمعت أبي يقول: عبيدالله بن عبدالكريم أبو زرعة: رازي ثقة.
أخبرنا الماليني: أخبرنا عبدالله بن عدي قال: سمعت أبايعلى الموصلي يقول: ما سمعنا بذكر أحد في الحفظ إلاّ كان اسمه أكثر من رؤيته، إلاّ أبو زرعة الرازي، فإنّ مشاهدته كانت أعظم من اسمه، وكان قد جمع حفظ الأبواب، والشيوخ، والتفسير، وغير ذلك، وكتبنا بانتخابه بواسط ستّة آلاف.
أخبرنا هناد بن هارون النسفي: أخبرنا محمّد بن أحمد بن محمّد بن سليمان الحافظ ـ ببخارى ـ أخبرنا أبوالأزهر ناصر بن محمّد بن النضر الأسدي ـ بكرمينية ـ قال سمعت أبايعلى أحمد بن علي بن المثنّى يقول: رحلت إلى البصرة للقاء المشايخ أبي الربيع الزهراني وهدبة بن خالد، وسائر المشايخ، فبينا نحن قعود في السفينة، إذا أنا برجل يسأل رجلاً فقال: ما تقول ـ رحمك الله ـ في رجل حلف بطلاق امرأته ثلاثاً أنّك تحفظ مائة ألف حديث؟ فأطرق رأسه مليّاً ثمّ رفع فقال: إذهب يا هذا وأنت بارٌّ في يمينك، ولا تعد إلى مثل هذا، فقلت من الرجل؟ فقيل لي: أبو زرعة الرازي، كان ينحدر معنا إلى البصرة.
أخبرنا الماليني: حدّثنا عبدالله بن عدي قال: سمعت أبي عدي بن عبدالله يقول: كنت بالري ـ وأنا غلام في البزازين ـ فحلف رجل بطلاق امرأته أنّ أبازرعة يحفظ مائة ألف حديث، فذهب قوم إلى أبي زرعة بسبب هذا الرجل هل طلّقت امرأته أم لا؟ فذهبت معهم، فذكر لأبي زرعة ما ذكر الرجل، فقال: ما حمله على ذلك؟ فقيل له: قد جرى الآن منه ذلك، فقال أبو زرعة: قل له يمسك امرأته…»(4).

(1) الكاشف 2: 223/3607.
(2) تقريب التهذيب 1: 497/4850.
(3) مرآة الجنان 2: 131.
(4) تاريخ بغداد 10/326 ـ 337.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *