من المنكرين لهذه المعجزة

من المنكرين لهذه المعجزة
ومع هذا كلّه، فقد أنكر الحليمي ـ وهو من كبار علماء القوم ـ انشقاق القمر لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
والأعجب من ذلك اعتماد الفخر الرازي على منع الحليمي وإنكاره، في مقابلة أهل الحق، حيث جاء في كتابه (نهاية العقول) في كلام له:
«ثمّ نقول: لا نزاع في شيء من المقدّمات إلاّ في قولكم: الأمر العظيم الواقع بمشهد الخلق العظيم لابدّ وأنْ يتواتر. فإنّا نقول: ليس الأمر كذلك، فإنّ انشقاق القمر، وفتح مكّة أنّه كان بالصلح أو بالقهر، وكون بسم الله الرحمن الرحيم هل هو من كلّ سورة أم لا، وكون الإقامة مثنى أو فرادى، مع مشاهدة الصحابة لذلك مدّة حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كلّ يوم خمس مرّات، وكذلك أحكام الصّلاة والزكاة، مع مشاهدتهم هذه الاُمور من النبي عليه السلام مدّة حياته، كلّ ذلك اُمور عظيمة وقعت بمشهد أكثر الاُمّة، ثمّ إنّه لم ينتشر شيء منها»(1).
ثمّ قال الرازي في مقام الجواب عن هذا التقرير:
«أمّا الإنشقاق، فقد منع الحليمي وقوعه، بحمل: ( إنشقّ القمر ) على أنّه سينشقّ. وإنْ سلّمنا وقوعه فلعلَّ المشاهدين ما كانوا في حدّ التواتر، لأنّه آية ليليّة، وأكثر الناس كانوا تحت السقوف، فلذلك لم ينتشر…»(2).
فانظر إلى الحليمي كيف يحمل الآية المباركة على خلاف ظاهرها! وإلى الرازي كيف يستند إلى كلام الحليمي ليعارض به استدلال الإماميّة!
وقد قام الإجماع من المسلمين على وقوع الإنشقاق:
قال الحافظ القاضي عياض:
«فصل ـ في إنشقاق القمر وحبس الشمس. قال الله تعالى: ( اقتربت السّاعة وانشقّ القمر * وإنْ يروا آيةً يعرضوا ويقولوا سحرٌ مستمر ) أخبر تعالى بوقوع إنشقاقه بلفظ الماضي وإعراض الكفرة عن آياته، وأجمع المفسّرون وأهل السنّة على وقوعه».
ثمّ قال بعد ذكر الروايات:
«وأكثر طرق هذه الأحاديث صحيحة، والآية مصرّحة، ولا يلتفت إلى اعتراض مخذول بأنّه لو كان هذا لم يخف على أهل الأرض، إذ هو شيء ظاهر لجميعهم…»(3).
وقال:
«أمّا إنشقاق القمر، فالقرآن نصّ بوقوعه وأخبر عن وجوده، ولا يعدل عن ظاهر إلاّ بدليل، وجاء برفع احتماله صحيح الأخبار من طرق كثيرة، فلا يوهن عزمنا خلاف أخرق يحلُّ عرى الدين، ولا يلتفت إلى سخافة مبتدع يلقي الشك على قلوب ضعفاء المؤمنين، بل نرغم بهذا أنفه وننبذ بالعراء سخفه»(4).
أقول :
هذا بعض الكلام على إنكار القوم ما ثبت من معاجز النبي عليه وآله الصلاة والسلام…
وأمّا إنكارهم لما ثبت من معجزات وكرامات الأئمّة الأطهار عليهم السلام، فموارده كثيرة جدّاً، فما أكثر المعجزات العلويّة المرويّة في كتب الفريقين، يستدلّ بها أهل الحقّ في مباحث الإمامة، ويكذّبها أهل الخلاف أمثال ابن تيميّة والأعور وغيرهما.
أضف إلى ذلك: إنّ الحليمي وأبا إسحاق يكذّبان كرامات الأولياء مطلقاً، وهذا ـ بعمومه ـ يشمل كرامات الأئمّة الطاهرين عليهم السلام.
قال شارح المواقف:
«المقصد التاسع: في كرامات الأولياء وأنّها جائزة عندنا، خلافاً لمن منع جواز الخوارق، واقعة، خلافاً للاُستاذ أبي إسحاق والحليمي منّا وغير أبي الحسين من المعتزلة.
قال الإمام الرازي في الأربعين: المعتزلة ينكرون كرامات الأولياء، ووافقهم الاُستاذ أبو إسحاق منّا، وأكثر أصحابنا يثبتونها، وبه قال أبو الحسين البصري من المعتزلة»(5).

(1) نهاية العقول ـ مخطوط .
(2) نهاية العقول ـ مخطوط .
(3) الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 : 543 و547 .
(4) الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1 : 495 .
(5) شرح المواقف 8 : 288 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *