القول بالجواز

القول بالجواز
وقال الميرزا : ربما يقال فيه بالجواز ، نظراً إلى عدم ترتّب محذور على ذلك إلاّ ما يتوهّم من استلزامه لاجتماع المثلين ، وهو لا يكون بمحذور في أمثال المقام أصلاً ، فإن اجتماع عنوانين في شيء واحد يوجب تأكّد الطلب ، وأين ذلك من اجتماع الحكمين المتماثلين ؟ وقد وقع نظير ذلك في جملة من الموارد ، كما في موارد النذر على الواجب وأمثاله(1) .
وإلى الجواز ذهب السيد الخوئي ، إذ قال :
وأمّا أخذ القطع بحكم في موضوع حكم آخر مثله ، كما إذا قال المولى إذا قطعت بوجوب الصّلاة تجب عليك الصّلاة بوجوب آخر ، فالصحيح إمكانه ، ويرجع إلى التأكد ، وذلك :
لأن الحكمين إذا كان بين موضوعيهما عموم من وجه ، كان ملاك الحكم في مورد الاجتماع أقوى منه في مورد الافتراق ، ويوجب التأكد ، ولا يلزم اجتماع المثلين أصلا ، كما إذا قال المولى : أكرم كل عالم ، ثم قال : أكرم كلّ عادل ، فلا محالة يكون وجوب الإكرام في عالم عادل آكد منه في عالم غير عادل أو عادل غير عالم ، وليس هناك اجتماع المثلين ، لتعدّد موضوع الحكمين في مقام الجعل .
وكذا الحال لو كانت النسبة بين الموضوعين هي العموم المطلق ، فيكون الحكم في مورد الاجتماع آكد منه في مورد الافتراق ، كما إذا تعلّق النذر بواجب مثلاً ، فإنه موجب للتأكد لا إجماع المثلين ، والمقام من هذا القبيل بلحاظ الموضوعين ، فإن النسبة بين الصّلاة بما هي ، والصّلاة بما هي مقطوعة الوجوب هي العموم المطلق ، فيكون الحكم في مورد الاجتماع آكد منه في مورد الافتراق ، ومن قبيل العموم من وجه بلحاظ الوجوب والقطع به ، إذ قد لا يتعلّق القطع بوجوب الصّلاة مع كونها واجبة في الواقع ، والقطع المتعلق بوجوبها قد يكون مخالفاً للواقع ، وقد يجتمع وجوب الصلاة واقعاً مع تعلق القطع به ، ويكون الملاك فيه أقوى فيكون الوجوب بنحو آكد(2) .
وتبعه سيّدنا الاستاذ حيث قال :
يمكن اجتماع حكمين بنحو التأكّد بمعنى بمعنى أن يكون هناك حكم واحد مؤكّد ، لإمكان اجتماع مصلحتين توجبان تأكد الإرادة وهي توجب تأكد البعث ، بمعنى أنها توجب إنشاء البعث المؤكد ، فإن الحكم هو التسبيب للبعث الاعتباري العقلائي ، وبما أن البعث يتصف خارجاً بالشدة والضعف أمكن اعتبار البعث الأكيد ، كما أمكن اعتبار البعث الضعيف .
ومما يشهد لصحّة ما ذكرناه صحة تعلّق النذر بواجب وانعقاده ، ولازمه تأكد الحكم ، ولم يتوهم أحد أن وجوب الوفاء بالنذر في المقام يستلزم اجتماع المثلين المحال ، كما يشهد له شمول الحكمين الاستغراقيين لما ينطبق عليه موضوعاهما ، نظير العالم الهاشمي الذي ينطبق عليه : « أكرم العالم » و « أكرم الهاشمي » ، ولم يتوهم خروج المورد عن كلا الحكمين لاستلزامه اجتماع المثلين .
ومما يقرب ما نقوله أيضاً في اجتماع المثلين ، أنه لم يرد في العبارات بيان امتناع وجوب الإطاعة شرعاً من باب أنه يستلزم اجتماع المثلين ، مع أن البعض يرى أن الإطاعة عبارة عن نفس العمل ، أو أنها وإن كانت من العناوين الانتزاعيّة ، لكن الأمر بالأمر الانتزاعي يرجع إلى الأمر بمنشأ انتزاعه ـ كما عليه المحقق النائيني ـ ، بل ادّعى كون محذوره التسلسل ونحوه مما يظهر منه أن اجتماع المثلين بالنحو الذي ذكرناه أمر صحيح ارتكازاً .
وبالجملة : التماثل بمعنى التأكد ووجود واقع الحكمين لا مانع منه . وامّا اجتماع حكمين مستقلين متماثلين ، فلا نقول به لامتناعه مبدأ ومنتهى .
وعليه ، فلا مانع من تعليق حكم مماثل على القطع بالحكم إذا كان بنحو التأكد(3) .

(1) أجود التقريرات 3 / 34 .
(2) مصباح الاصول 2 / 45 ـ 46 .
(3) منتقى الاصول 4 / 92 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *