نظريّة المحقّق الإصفهاني

نظريّة المحقّق الإصفهاني
وقال المحقق الإصفهاني رحمه اللّه :
بل التحقيق أن حديث التضادّ والتماثل أجنبي عمّا نحن فيه ، لما فصّلناه في مسألة اجتماع الأمر والنهي : أن الحكم ـ سواء كان بمعنى الإرادة والكراهة أو البعث والزجر الاعتباريين ـ ليس فيه تضادّ وتماثل ، فإنهما من صفات الأحوال الخارجية للموجودات الخارجية . فراجع .
بل المانع من اجتماع البعثين ، إمّا صدور الكثير عن الواحد لو انبعث البعثان المستقلاّن عن داع واحد ، أو صدور الواحد عن الكثير لو انبعثا عن داعيين ، فإن الفعل الواحد عند انقياد المكلّف لمولاه لو صدر عن بعثين مستقلّين ، لزم صدور الواحد عن الكثير، كما أنّ صدور مقتضى البعث والزجر لازمه اجتماع المتناقضين ، فيلغو البعث بداعي إيجاد الفعل والزجر بداعي تركه(1) .
وقد اشتمل كلامه على نفي وإثبات .
أمّا ما أفاده في جهة النفي ، فتوضيحه هو : إن المثلين عبارة عن الوجودين من الماهيّة الواحدة ، والضدّان عبارة عن الأمرين الوجوديين المتعاقبين على الموضوع الواحد ، الداخلين تحت جنس قريب وبينهما نهاية الخلاف . وعلى هذا ، فالتماثل والمثلية وكذا التضاد والضديّة من أحوال الموجودات الخارجيّة ، والحكم إمّا هو الإرادة أو الكراهة التشريعيّة ، أو البعث والزجر الاعتباريّان ـ على الخلاف ـ من الاعتباريات ، وأحكام الموجودات الخارجيّة لا تجري في الامور الاعتبارية ، فلا معنى لأن يقال : حكمان متماثلان أو متضادّان ، ولا يلزم اجتماع المثلين أو الضدّين .
وأمّا ما أفاده في جهة الإثبات ، فتوضيحه : إنّ المانع من تصرّف الشارع هو صدور الكثير من الواحد وبالعكس ، أو لزوم اجتماع المتناقضين في مقام الامتثال ، فالقطع بوجوب شيء بعث ، فإذا جاء ببعث آخر نحوه ، كان البعثان حاصلين من داع واحد لكون المصلحة واحدة ، وصدور الكثير من الواحد محال . أمّا في مقام امتثال التكليف ، فالحاصل انبعاث واحد عن البعثين ، وصدور الواحد من الكثير محال كذلك . وإنْ كان الحكم غير مماثل ، يلزم اجتماع المتناقضين في مقام الامتثال .
إذن ، لا يمكن التصرّف لا بالمماثل ولا بالمخالف ، للزوم ما ذكر من المحذور ، وهذا هو المانع لا ما ذكره الشيخ وصاحب الكفاية والعراقي رحمهم اللّه .
أقول :
إنّ ما ذكره في جهة النفي مبنيّ على الإصطلاح الفلسفي في التضادّ والتماثل ، لكنّ التضادّ عند الاصوليين عبارة عن عدم اجتماع الأمرين ، سواء اطلق عليه التضادّ فلسفيّاً أوْ لا ، ثم إنّ الاعتبار في مورد القطع ناشئ عن المصالح والمفاسد ، وهو أيضاً منشأ للانبعاث والإنزجار ، وهكذا اعتبار يجري فيه برهان التضاد والتماثل ، فليس المحذور لزوم صدور الكثير من الواحد ، بل هو استحالة اجتماع الوجوبين مثلاً والوجوب والحرمة ، في متعلّق واحد ، لكونهما ناشئين من الملاك وهما منشأ للانبعاث كما تقدم . نعم ، هذه الاستحالة هي بالعرض .

(1) نهاية الدراية 3 / 20 .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *