نقد تلك النظرية

نقد تلك النظرية
وقد أورد عليه الاستاذ في الدّورتين بلزوم التناقض على مسلك المحقق العراقي أيضاً .
وتوضيح ذلك هو : إنه رحمه اللّه يرى أنّ حقيقة الحكم عبارة عن الإرادة أو الكراهة المبرزة ، فالإرادة الشديدة المبرزة منشأ لانتزاع الوجوب ، والكراهة الشديدة المبرزة منشأ لانتزاع الحرمة ، أمّا الإرادة أو الكراهة الضعيفة ، فمنشأ للاستحباب والكراهة الشرعية . هذا أوّلاً .
وثانياً : إنه يرى أنّ متعلّق الإرادة ـ وكذا الكراهة ـ هي الصورة المرئيّة خارجاً ، لا الوجود الخارجي ، لأن الإرادة أمر نفساني ، وتعلّقه بالخارج غير ممكن ـ وقد برهن المحقق الإصفهاني على ذلك بأنه يستلزم إمّا خارجيّة الذهن أو ذهنية الخارج ، وكلاهما محال ـ فالمتعلّق هو الخارج، لعدم تعلّق الشوق وعدمه بالوجود الذهني ، لكن لا الوجود الخارجي بل الصورة المرئية خارجاً .
وبناءً على ما ذهب إليه في حقيقة الحكم ومتعلّقه : يرد عليه لزوم اجتماع النقيضين فيما ذكره في المقام ، لأنّ تعلّق الوجوب بالصّورة المرئيّة خارجاً لدى القاطع ، هو إرادة وجوده ، فإذا تعلّق بها الترخيص كان غير مراد ، وكون الشيء مراداً وغير مراد اجتماعٌ للنقيضين .
هذا ، ولا يتوهّم اختلاف المرتبة حتى يندفع الإشكال .
لأنّ متعلّق الإرادة أو الكراهة هو الوجود لا المرتبة، فصحيحٌ أنّ الإرادة والمراد مختلفان في المرتبة ، لتقدّم المراد على الإرادة طبعاً ، لكنهما موجودان بوجود واحد ، كما هو الحال بين الواحد والاثنين ، إذ الاثنان متأخّر رتبةً عن الواحد طبعاً ، لكنهما موجودان بوجود واحد .
وهذا هو الإشكال على المحقق العراقي هنا بناءً على مسلكه .
وأمّا على مسلك القائلين باعتباريّة الحكم ـ على اختلاف فيما بينهم في حقيقته ـ إذ قال بعضهم بأنه الطلب الإنشائي ، وبعضهم بأنه عبارة عن البعث أو الزجر الاعتباري ، وبعضهم أنه الثبوت على الذمّة اعتباراً واعتبار الحرمان … ـ فالتناقض لازم بلا إشكال ، وذلك : لأن كلّ حكم يصدر من الحاكم فهو فعل اختياري له ، ولا يعقل أن يكون مهملاً ، لأن المفروض أنه ـ لكونه حكيماً ـ يلحظ موضوع الحكم وانقساماته ، فإنْ كان غرضه متعلّقاً بالمقسم خرج الحكم مطلقاً ، وإن كان متعلّقاً بالقسم خرج مقيّداً ، ولا يعقل أنْ يكون الغرض مهملاً ، والحكم معلول للغرض ، فلا إهمال فيه كذلك .
وعلى هذا ، فإذا حكم الشارع بوجوب الصّلاة ، فتارة : يتعلّق القطع بالوجوب ، واخرى : لا ، فإن كان الغرض قائماً بالمقسم أطلق الوجوب وإلاّ قيّده بوجود القطع أو عدمه ، لكنّ التقييد هناك محال ، إذ لا يعقل تقييد وجوبها بعدم القطع به ، لأنّ الغرض من الصّلاة ـ وهو النهي عن الفحشاء والمنكر مثلاً ـ أعمّ . هذا أوّلاً .
وثانياً : فإنّ التقييد بعدم القطع بالوجوب لغوٌ لعدم الأثر … .
فظهر أن التقييد محالٌ كما أنّ الإهمال محال ، فالإطلاق واجب … أي : الصّلاة واجبة سواء قطع بوجوبها أوْلا ، فلو اعتبر عدم وجوبها في مرتبة القطع بوجوبها ، لزم اجتماع النقيضين ـ أي الوجوب وعدمه ـ في المتعلّق الواحد .
فالحق ، لزوم التناقض على جميع المسالك .
هذا ، ولا يخفى أنّ هذا التناقض يلزم في الحكم الشرعي ـ كما تقدّم ـ وفي الحكم العقلي أيضاً ، لأن كلّ حكم شرعي فهو بمجرّد وصوله موضوع لحكم العقل بلزوم الطاعة والامتثال .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *