دلالة حديث الولاية على ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام

دلالة حديث الولاية على ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام
الجهة الثانية: يدلّ هذا الحديث على ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام: «علي منّي وأنا من علي، وهو وليّكم من بعدي».
ووجه الإستدلال بهذا الحديث الشريف هو: دلالته على ثبوت الأولويّة بالتصرف لعلي عليه السّلام، وهذه الأولوية مستلزمة للإمامة، وذلك:
أوّلاً: لأنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله حصرها في علي عندما قال: «وهو وليّكم من بعدي»، ومن المعلوم أنّ المعاني الأُخرى من الولاية، كالنصرة والمحبّة وغيرهما، ليست بأمور مختصّة بعلي عليه السّلام.
ثانياً: لوجود كلمة «بعدي» في ألفاظ الحديث كلّها أو أكثرها، فكلمة «بعدي» صريحة في هذا المعنى، لأنّ البعديّة هذه إمّا زمانية أو رتبيّة:
ربّما يستظهر بالدرجة الأُولى أن تكون البعديّة رتبيّة، «علي وليّكم بعدي» أي غيري، أي ما عداي في الرتبة علي وليّكم.
أمّا إذا كانت كلمة «بعدي» بمعنى الزمان والظرف، فتدل على أنّ أمير المؤمنين وليّ المؤمنين بعد رسول اللّه بلا فصل، وإلاّ لما حرّف بعضهم الحديث وأسقط كلمة «بعدي» كما سنعلم!
ثالثاً: هذه الرواية واردة بألفاظ أُخرى أيضاً، وتلك الألفاظ هي الأُخرى تدلّ على إمامة أمير المؤمنين وأولويته.
فمثلاً: لاحظوا المسند لابن حنبل(1)، والمستدرك(2)، وتاريخ دمشق(3)، وغيرها من الكتب(4)، كلّهم يروون عن بريدة في نفس هذه القصة قوله: فلمّا قدمت على رسول اللّه ذكرت عليّاً فتنقّصته، فرأيت وجه رسول اللّه يتغيّر، فقال: «يا بريدة، ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» قلت: بلى يا رسول اللّه، قال: «فمن كنت مولاه فعلي مولاه».
وهذا هو نفس الحديث الذي أمر اللّه تعالى رسوله أن يقوله يوم الغدير في أُخريات حياته.
وفي المسند وتاريخ دمشق بطرق عديدة وفي غيرهما من المصادر يقول رسول اللّه بعد تلك العبارات: «يا بريدة، من كنت وليّه فعليّ وليّه»(5).
رابعاً: هناك في ألفاظ هذا الحديث وهذه القصة مناقب أُخرى لأمير المؤمنين، تختصّ به ولا يشاركه فيها غيره من الصحابة. فمثلاً، لاحظوا ]المعجم الأوسط[ للطبراني(6) ففيه: يقول صلّى اللّه عليه وآله في هذه القضيّة: «ما بال أقوام ينتقصون عليّاً؟ ]لاحظوا بدقّة[ من ينتقص عليّاً فقد تنقّصني، ومن فارق عليّاً فقد فارقني، إنّ عليّاً منّي وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذريّة بعضها من بعض واللّه سميع عليم».
فهذه المناقب جاءت في نفس هذه القصة، مضافاً إلى قوله صلّى اللّه عليه وآله: «إنّه لا يفعل إلاّ ما يؤمر به»، وغير ذلك من ألفاظ هذا الحديث، كما قرأنا.
خامساً: ابن عباس يذكر هذه المنقبة، وهذه الفضيلة، ضمن فضائل لأمير المؤمنين يصرّح بأنّها خاصة بعلي، وحديث عبداللّه بن عباس موجود في مسند الطيالسي، وفي مسند أحمد، وفي المستدرك للحاكم، وفي غيرها من الكتب بسند ينصّون على صحته… كما ذكرنا سابقاً.
سادساً: حديث الولاية بهذا اللفظ من جملة ما قاله رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله في بدء الدعوة المحمّدية، في حديث الإنذار الذي قرأناه، حيث قال لهم ـ أي للحاضرين ـ : «من يبايعني على أنْ يكون أخي وصاحبي ووليّكم بعدي»(7).
إذن، فالحديث نصّ في الأولويّة، مضافاً إلى القرائن الموجودة في داخل الحديث، والقرائن الموجودة في خارجه.
وحتّى الآن، فهمنا كيف يكون الحديث دالاًّ على العصمة؟ وكيف يكون دالاًّ على الأولويّة؟
وفي هذا الحديث والقصة التي قرأناها فوائد كثيرة، ينبغي للباحث أنْ يدقّق النظر فيها.

(1) مسند أحمد 5 / 347.
(2) المستدرك على الصحيحين 3 / 110.
(3) تاريخ ابن عساكر 42 / 187.
(4) المصنّف 7 / 506، الآحاد والمثاني للضحّاك 4 / 325، حديث 2357، السنن الكبرى 5 / 45.
(5) تاريخ مدينة دمشق 42 / 188 و192 و193 ـ 194.
(6) المعجم الأوسط 6 / 163.
(7) راجع القسم المختص بحديث الدار من هذا الكتاب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *